و البهتان. و قال: ما أجهل هؤلاء الإنس و
أشد طغيانهم و إعجابهم بأنفسهم، و مكابرتهم لأحكام العقول، كيف يجوّزون أن تكون
السباع و الوحوش و الجوارح و الثعابين و التنانين و التماسيح و الكواسيج عبيدا لهم
و خلقت من أجلهم، أ فلا يتفكرون و يعتبرون بأنه لو خرجت عليهم السباع من الآجام، و
انقضّت عليهم الجوارح من الجو، و نزلت عليهم الثعابين من رءوس الجبال، و خرجت
إليهم التماسيح و التنانين من البحر، فحملت على الإنس حملة واحدة، هل يبقى منهم
أحد، و أنها لو خالطتهم في ديارهم و منازلهم هل كان يطيب لها عيش أو حياة معهم؟ أ
فلا يتفكرون في نعم اللّه تعالى عليهم حين صرفها و أبعدها من ديارهم لدفع ضررها
عنهم؟ و إنما غرّهم كون هذه الحيوانات السليمة الأسيرة في أيديهم التي لا شوكة لها
و لا صولة و لا حيلة، و هم يسومونها سوء العذاب ليلا و نهارا، فأخرجهم ذلك إلى هذا
القول من غير حق و لا برهان.
فصل
ثم إن الملك نظر إلى جماعة الإنس، و هم وقوف نحو اثنين و سبعين رجلا
مختلفي الألوان، و الصفات، و الزّيّ، و اللباس، فقال لهم: قد سمعتم ما قال،
فاعتبروا، و تفكروا فيه. ثم قال لهم: من ملككم؟
قالوا: لنا عدة ملوك.
قال: فأين ديارهم؟
قالوا: في بلدان شتى، كل واحد في مدينة له جنوده و رعيته.
قال الملك: لأي علّة، و أي سبب صارت هذه الطوائف من الحيوانات لكل
جنس منها ملك واحد، مع كثرتها، و للإنس ملوك عدة مع قلتهم؟
قال زعيم الإنس العراقي: نعم، أيها الملك، أنا أخبرك ما العلّة و ما
السبب في كثرة ملوك الإنس، و قلّة ملوك سائر الحيوانات، مع كثرتها.