و الفيوج[1]
و الرسل، و أصحاب الأخبار، و الندماء المختصون، و من شاكلهم ممن لا بد للملوك منهم
في تمام السيرة.
و كل هؤلاء الطوائف الذين ذكرتهم لا بد للملك من النظر في أمورهم، و
تفقد أحوالهم، و الحكومة بينهم.
فمن أجل هذه الخصال احتاجت الإنس إلى كثرة الملوك، في كل بلد، أو في
كل مدينة ملك واحد يدبر أمر أهلها كلها كما ذكرت. و لم يكن أن يقوم بها كلها واحد،
لأن أقاليم الأرض سبعة أقاليم، و في كل إقليم عدة بلدان، و في كل بلدة عدة مدن، و
في كل مدينة عدة خلائق لا يحصي عددها إلّا اللّه، و هم مختلفو الألسن و الأخلاق و
الآراء و المذاهب و الأعمال و الأحوال و المآرب.
و لهذه الخصال واجب في الحكمة الإلهية و العناية الربّانية، أن تكون
ملوك الإنس كثيرة، و كل ملوك بني آدم خلفاء اللّه في أرضه، ملّكهم بلاده، و ولّاهم
عباده، ليسوسوهم، و يدبروا أمورهم، و يحفظوا نظامهم، و يتفقدوا أحوالهم، و يقمعوا
الظلم، و ينصروا المظلوم، و يقضوا بالحق، و به يعدلون، و يأمرون بأوامره، و ينهون
عن نواهيه، و يتشبهون به في تدبيرهم و سياستهم، إذ كان اللّه تعالى هو سائس الكل و
مدبّر الخلائق من أعلى علّيّين إلى أسفل سافلين، و حافظهم و خالقهم، و رازقهم و
مبدئهم و معيدهم، كما شاء كيف شاء، لا يسأل عمّا يفعل، و هم يسألون. أقول قولي
هذا، و أستغفر اللّه لي و لكم.
[1] -الفيوج: جمع فيج، رسول السلطان القادم على رجليه،
و الذين يدخلون السجن و يخرجون و يحرسون.