يفزع من شيء إلا من دابة صغيرة تشبه الكرور
و الجرجس[1] فتلسعه، و
هو لا يقدر عليها بطشا، و لا منها احترازا. فإذا لسعته، دب سمّها في جسمه فمات. و
اجتمعت عليه الحيوانات البحرية تأكله، فيكون لها عيشا رغدا أياما من جثته. فهي
تأكلها مدة من الزمان، كما تأكل السباع كبارها صغارها مدة من الزمان. و هكذا حكم
الجوارح من الطير. و ذلك أن العصافير و القنابر و الخطاطيف و غيرها تأكل الجراد و
النمل و الذباب و البق و ما شاكلها.
ثم إن البواشق و الشّواهين و ما شاكلها تصطاد العصافير و القنابر و
تأكلها.
ثم إن البزاة و الصقور و لنسور و العقبان تصطادها و تأكلها. ثم إنها
إذا ماتت أكلها صغارها من النمل و الذباب و الديدان.
و هكذا سيرة بني آدم، فإنهم يأكلون لحوم الجدي و الحملان و الغنم و
البقر و الطير و غيرها. ثم إذا ماتوا أكلتهم في قبورهم الديدان و النمل و الذباب.
و هكذا يأكل صغار الحيوانات كبارها، و تارة تأكل كبارها صغارها.
و من أجل هذا قال الحكماء المنطقيون من الإنس: إن من فساد شيء آخر
يكون صلاح شيء آخر. قال اللّه سبحانه: «وَ تِلْكَ
الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَ ما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ».
و قد سمعنا أيها الملك أن هؤلاء الإنس يزعمون أنهم أربابنا، و أن
سائر الحيوانات عبيد لهم، فهلا يفقهون فيما وصفت من تصاريف أحوال سائر الحيوانات،
هل بينها فرق فيما ذكرت. فإنهم تارة آكلون، و تارة هم مأكولون، في ما ذا يفتخر بنو
آدم على الحيوانات، و عاقبة أمرهم مثل عاقبة أمرها؟ و قد قيل:
الأعمال بخواتيمها، و كلهم من التراب خلقوا و إليه مصيرهم.
ثم قال الضفدع: اعلم أيها الملك الحكيم بأنه لما سمع التنن قول الإنس
و ادعاءهم على الحيوانات أنها عبيدهم، و أنهم أرباب لها، تعجّب من قولهم الزّور