فصل في بيان العداوة بين بني الجان و بين
بني آدم و كيف كانت
قال الحكيم: نعم، إن بين بني آدم و بني الجان عداوة طبيعية، و عصبيّة
جاهليّة، و طباعا متنافرة يطول شرحها.
قال الملك: اذكر منها طرفا، و ابتدئ من أوله.
قال الحكيم: فاعلم أن بني الجانّ كانت في قديم الأيام و الأزمان قبل
آدم أبي البشر، 7، سكّان الأرض و قاطنيها، و كانوا قد طبّقوا الأرض برّا
و بحرا، سهلا و جبلا، فطالت أعمارهم و كثرت النعمة لديهم؛ و كان فيهم الملك و
النبوّة و الدين و الشريعة، فطغت و بغت و تركت وصيّة أنبيائها، و أكثرت في الأرض
الفساد، فضجّت الأرض و من عليها من جورهم. فلما انقضى الدور و استؤنف القرآن، أرسل
اللّه تعالى جندا من الملائكة نزلت من السماء، فسكنت الأرض و طردت بني الجانّ إلى
أطراف الأرض منهزمة، و أخذت سبيا كثيرا منها، و كان فيمن أخذ أسيرا عزازيل إبليس
اللعين فرعون آدم، و هو إذ ذاك صبيّ لم يدرك. فلما نشأ مع الملائكة تعلم من علمها،
و تشبّه بها في ظاهر الأمر، و أخذ من رسومه و جوهره غير رسومها و جوهرها. و لما
طالت الأيام صار رئيسا فيها آمرا ناهيا متبوعا حينا و دهرا من الزمان و الدهر.
فلما انقضى الدور و استؤنف القرآن أوحى اللّه إلى أولئك الملائكة الذين كانوا في
الأرض، فقال لهم: إني جاعل في الأرض خليفة من غيركم، و أرفعكم إلى السماء. فكرهت
الملائكة الذين كانوا في الأرض مفارقة الوطن المألوف، و قالت في مراجعة الجواب: أ
تجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء كما كانت بنو الجانّ، و نحن نسبّح بحمدك و
نقدّس لك؟ قال: إني أعلم ما لا تعلمون، لأني آليت على نفسي أن لا أترك على وجه
الأرض أحدا من الملائكة و لا من الإنس و لا من سائر الحيوان. و لهذه اليمين سرّ قد
بيّنّاه في موضع آخر. فلما