خلق اللّه تعالى آدم و سوّاه و نفخ فيه من
روحه، و خلق زوجته حوّاء، أمر الملائكة الذين كانوا في الأرض بالطاعة، فانقادت
لهما جميعا ما عدا عزازيل، فإنه أنف و تكبّر و أخذته الحميّة حميّة الجاهليّة و
الحسد لمّا رأى أن رئاسته قد زالت، و يحتاج أن يكون تابعا بعد ما كان متبوعا، و
مرءوسا بعد ما كان رئيسا. فأمر[1] أولئك
الملائكة أن يصعدوا بآدم، 7، فأدخلوه الجنّة و هي بستان من الشرق على
رأس جبل الياقوت الذي لا يقدر أحد من البشر أن يصعد هنالك؛ و هي طيّبة التّربة،
معتدلة الهواء شتاء و صيفا، ليلا و نهارا، كثيرة الأنهار، مخضرّة الأشجار، مفنّنة
الثمار و الفواكه و الرياض و الرياحين و الأنهار و الأزهار، كثيرة الحيوانات غير
المؤذية و الطّيور الطيّبة الأصوات اللذيذة الألحان و النّغمات. و كان على رأس آدم
و حوّاء شعر طويل مدلّى كأحسن ما يكون على الجواري و الأبكار، يبلغ قدميهما و يستر
عورتيهما، و كان دثارا لهما و سترا لهما، و زينة و جمالا. و كانا يمشيان على حافات
تلك الأنهار، و يشمّان من الرياحين و الأزهار، و يأكلان من ثمار تلك الأشجار، و
يشربان من مياه تلك الأنهار بلا تعب من الأبدان، و لا عناء من النفوس، و لا مشقّة
من كدّ الحرث و النّسل و الزّرع و السّقي و الحصاد و الدّراس و الطّحن و الخبز و
الغزل و النّسج و الخياطة و الغسل، و ما اليوم أولادهما به مبتلون من شقاوة أسباب
المعاش في هذه الدّنيا. و كان حكمهما في تلك الجنّة حكم الحيوانات التي هناك
مستودعين مستريحين متلذّذين. و كأن اللّه تعالى ألهم آدم أسماء تلك الأشجار و
الثمار و الرياحين، و أسماء تلك الحيوانات التي هناك. فلمّا نطق آدم سأل الملائكة
عنها فلم يكن عندها جواب، فغدا عند ذلك آدم معلّما يعرّفها أسماءها و منافعها و
مضارّها، فانقادت الملائكة لأمره و نهيه لما