فصل في البرهان على أنه ليس في العالم لا
خلاء و لا ملاء
اعلم يا أخي بأن الخلاء و الملاء صفتان للمكان، و المكان صفة من صفات
الأجسام، فإن كان خارج الفلك جسم آخر، فقولنا: العالم، نعني به ذلك الجسم مع الفلك
جميعا، فمن أين خارج العالم شيء آخر؟
فصل في معنى قول الحكماء هل العالم قديم أو محدث
فإن كان المراد بالقديم أنه قد أتى عليه زمان طويل، فالقول صحيح؛ و
إن كان المراد به أنه لم يزل ثابت العين على ما هو عليه الآن، فلا؛ لأن العالم ليس
بثابت العين على حالة واحدة طرفة عين، فضلا عن أن يكون لم يزل على ما هو عليه
الآن، و ذلك أن قول الحكماء في تسميتهم العالم إنما يعنون به عالم الأجسام، و هو
نوعان: فلكيّ و طبيعي. فأما الأجسام الطبيعية التي دون فلك القمر، فهي نوعان:
الأركان الكليات و الموّلدات الجزئيات. فالمولّدات دائما في الكون و الفساد، و أما
الأركان الكليات فهي دائما في التغيّر و الاستحالة، لا يخفى هذا على الناظرين في
الأمور الطبيعية.
و أما الأجسام الفلكية فهي دائما في الحركة و النّقلة و التبدّل في
المحاذيات، فأين ثباتها على حالة واحدة؟ و أما أن يكون يراد بالثبات الصورة و
الشّكل الكريّ الذي هو عليه في دائم الأوقات، فليعلم بأن الشكل الكريّ و الحركة
الدّوريّة ليسا للجسم من حيث هو جسم، و لا مقوّمين لذاته، بل هما صورتان متمّمتان
بقصد قاصد كما بيّنّا في رسالة الهيولى و الصورة. و كلّ صورة من الصّور بقصد قاصد،
لا تكون ثابتة العين، أبدية الوجود، و إنما يكون الشيء ثابت العين، أبديّ الوجود
بالصورة المقوّمة.
و اعلم يا أخي بأن الحافظ للعالم على هذه الصورة، هو سرعة حركة الفلك