المحيط، و المحرّك للفلك هو غير الفلك، و أن
تسكين الفلك عن الحركة بطلان العالم، و إنما يكون طرفة عين كما قال، عزّ و جلّ: «وَ ما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ».
و اعلم بأنه إن وقف الفلك عن الدوران، وقفت الكواكب عن مسيرها، و
البروج عن طلوعها و غروبها، و عند ذلك تبطل صورة العالم و قوامه، و تقوم القيامة
الكبرى، و هذا لا محالة كائن، لأن كلّ شيء في الإمكان، إذا فرض له زمان بلا
نهاية، فلا بد أن يخرج إلى الفعل؛ و وقوف الفلك عن الدّوران من الممكن، لأن الذي
يحرّكه يمكنه أن يسكّنه، و هو أهون عليه و له المثل الأعلى. و قد بيّنّا في رسالة
المبادي ما العلة في حدوث عالم الأجسام، و في رسالة البعث و القيامة ما علّة فناء
عالم الأجسام.
فصل في أن الانسان إذا ارتقى نفسا صار ملكا
و اعلم يا أخي أن الإنسان إذا سلك في مذهب نفسه، و تصرّف في أحوالها،
مثل ما سلك به في خلق جسده و صورة بدنه، فإنه سيبلغ أقصى نهاية الإنسانية مما يلي
رتبة الملائكة، و يقرب من باريه، عزّ و جلّ، و يجازى بأحسن الجزاء، مما يقصر الوصف
عنه، كما وصف اللّه، عزّ و جلّ، فقال: «فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ
ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ». و أما ما سلك به في خلقه فهو أنه ابتدئ من نطفة من ماء مهين، ثم
كان علقة[1] جامدة في
قرار مكين، ثم كان مضغة[2]، ثم كان
جنينا مصوّرا تامّا، ثم كان طفلا متحرّكا حسّاسا، ثم كان صبيّا ذكيّا فهما، ثم كان
شابّا متصرّفا قويّا نشيطا، ثم كان كهلا مجرّبا عالما عارفا، ثم كان شيخا حكيما
فيلسوفا ربّانيّا، ثم