مقدّمات، مثال ذلك في البرهان على وجود
النفس مع الجسم تكفي ثلاث مقدّمات، و هي هذه: كلّ جسم فهو ذو جهات، و هذه مقدّمة
كليّة موجبة صادقة في أوّليّة العقل؛ و المقدّمة الأخرى: و ليس يمكن الجسم أن
يتحرّك إلى جميع جهاته دفعة واحدة، و هذه مقدّمة كليّة سالبة صادقة في أوليّة
العقل؛ و المقدّمة الثالثة: و كلّ جسم يتحرّك إلى جهة دون جهة فلعلّة ما تحرّك، له
مقدّمة كليّة صادقة في أوّليّة العقل؛ فينتج من هذه المقدّمات وجود النفس. و الذي
ينبغي ليبرهن بأنها جوهر لا عرض، أن يضاف، إلى هذه المقدّمات التي تقدّمت، هذه
الأخرى: و كلّ علّة محرّكة للجسم لا تخلو أن تكون حركتها على وتيرة واحدة في جهة
واحدة، مثل حركة الثقيل إلى أسفل، و الخفيف إلى فوق، فتسمى هذه علّة طبيعية. و أما
أن تكون حركتها إلى جهات مختلفة، و على فنون شتى بإرادة و اختيار مثل حركة
الحيوان، فتسمّى نفسانيّة، و هذه قسمة عقلية مدركة حسّا. و كلّ علّة محرّكة للجسم
بإرادة و اختيار فهي جوهر، فالنفس إذا جوهر، لأن العرض لا فعل له. و هذه مقدّمات
مقبولة في أوائل العقول، فينتج من هذه أن النفس جوهر.
فصل في كيفية البرهان على أنه ليس في العالم خلإ
و معنى الخلاء هو المكان الفارغ الذي لا متمكّن فيه، و ليس يعقل في
العالم مكان لا مضيء و لا مظلم، مقدّمة كليّة سالبة صادقة في أولية العقل.
مقدمة أخرى: و ليس يخلو النور و الظلمة أن يكونا جوهرين أو عرضين، أو
أحدهما جوهرا و الآخر عرضا، و هذه أقسام عقلية صحيحة. مقدّمة أخرى: فإن يكونا
جوهرين، فإذا الخلاء ليس بموجود، أو عرضين، فالعرض لا يقوم إلّا في الجوهر، فالخلأ
إذا ليس موجودا، و إن يكن أحدهما جوهرا، و الآخر عرضا، فهكذا الحكم.