أكون الشمس فوق الأرض لطول النهار، أو طول
النهار لكون الشمس فوق الأرض. و هكذا النار و الدّخان ربما يوجدان معا، و ربما
يوجد أحدهما قبل الآخر، و ربما يستدلّ بالدخان على النار، و ربما تجعل النار سببا
لوجود الدخان، فلا يدرى أيّهما علّة للآخر.
اعلم يا أخي بأن النار و الدخان ليس أحدهما علّة للآخر، بل علّتهما
الهيولانيّة هي الأجسام المستحيلة[1] و علّتهما
الفاعليّة هي الحرارة، و هما يختلفان في الصورة، و ذلك أن الحرارة إذا فعلت في
الأجسام المستحيلة فعلا تامّا، صارت نارا، و إن قصّرت عن فعلها لرطوبة غالبة، صارت
دخانا و بخارا.
فصل في قوله: و أن لا يستعمل في البرهان الأعراض الملازمة و أن
علّة الشيء من ذاتياته، و كون المقدمة كلية
قوله: أن لا يستعمل في البرهان الأعراض الملازمة، إنما هو لأن
الأعراض الملازمة لا تفارق الأشياء التي هي لازمة لها، كما أن العلّة لا تفارق معلولها،
و ذلك أنه متى حكم على شيء بأنه معلول، فقد وجب أن له علّة فاعلة له. و الأعراض
الملازمة، و إن كانت لا تفارق، فليست هي فاعلة له. مثال ذلك أن الموت، و إن كانت
لا يفارق القتل، فإنه ليس له بعلّة، و لا القتل أيضا علّة للموت ذاتيّة، إذ قد
يكون موت كثير بلا قتل، فلا يكون معلول بلا علّة. و أما قوله: و أن تكون العلّة
ذاتية للشيء، فإنما قال هذا من أجل أنه قد يكون للشيء الواحد علل عرضيّة، و
لكنها لا تكون مستمرّة في جميع أنواع ذلك الجنس، و لا جميع أشخاص النوع، كالقتل
الذي هو علّة عرضيّة للموت غير مستمرّة في جميع أنواعه،