العقول، أي أن الشيء المعلول لا يكون علّة
نفسه، و لكن من أجل أن كثيرا ممن يتعاطى البرهان ربما جعل المعلول علّة لنفسه، و
هو لا يشعر لطول الخطاب.
مثال ذلك من يتعاطى علم الطبيعيات، إذا سئل: ما علّة كثرة الأمطار في
بعض السّنين؟ فيقول: كثرة الغيوم. فإن سئل: ما علّة كثرة الغيوم؟ فيقول: كثرة
البخارات المتصاعدة من البحار و الآجام في الهواء. فإن سئل: ما علّة كثرة البخارات
المتصاعدة؟ فيقول أو يظن: كثرة المدود و انصباب مياه الأنهار و الأودية و السيول
إلى البحار. فإن سئل: ما علّة كثرة المياه و المدود و السيول إلى البحار؟ فيقول:
كثرة الأمطار. فعلى هذا القياس يلزمه أن علّة كثرة الأمطار هي كثرة الأمطار، فمن
أجل هذا يحتاج صاحب البرهان أن يقول: إحدى العلل كيت و كيت، و الثانية و الثالثة و
الرابعة، ليسلم من الاعتراض، إذ قد تكون الغيوم كثيرة، و الأمطار قليلة، لأن لكلّ
شيء معلول أربع علل كما بيّنّا في رسالة العلل و المعلومات.
فصل في أن المعلول لا يوجد قبل العلة
و قوله: أن لا يكون المعلول قبل العلة، فهذا أيضا بيّن في أوائل
العقول، لأن المعلول لا يكون قبل العلّة، و لكن من أجل أنهما من جنس المضاف إنما
يوجدان معا في الحسّ، و إن كانت العلّة قبل المعلول بالعقل، حتى ربما يشكل، فلا
تتبيّن العلّة من المعلول؛ مثال ذلك إذا سئل من يتعاطى علم الهيئة: ما علّة طول النهار
في بلد دون بلد؟ فيقول: كون الشمس فوق الأرض هناك زمانا أطول. و إذا عكس هذه
القضية و قيل:
كلّ بلد يكون فيه مكث الشمس فوق الأرض أكثر، فنهاره أطول، فتصدق،
فيخفى على كثير ممن ليست له رياضة بالتعاليم، أيّهما علّة للآخر،