عقولهم ميزانا مستويا و قياسا صحيحا، ليكون
قاضيا بينهم فيما يختلفون فيه، لا يدخله الخلل، و إذا تحاكموا إليه قضى بالحق و
حكم بالعدل، لا يحابي أحدا، و هو القياس الذي يسمّى البرهان المنطقي، المماثل
للبرهان الهندسي الذي يشبه البرهان العدديّ.
فصل في القياس المنطقي
و اعلم بأنه لما كان مقياس كل صناعة، و ميزان كل بضاعة متّخذا من
الأشياء التي تشاكلها من موضوعاتها، كالموازين التي يعرف بها الأثقال بصنجات[1] لها ثقل، و ميزان المساحة الذي
تعرف به أبعاد أشياء لها أبعاد، و هي الذراع و الباب و الأشل، و مثل المسطرة التي
تعرف بها الأشياء المستوية، فهكذا قاس الذين استخرجوا البرهان المنطقيّ و قالوا:
إن اختلاف العلماء فيما يدّعون من الحق و الباطل و الصواب و الخطإ الذي في ضمائرهم
لا يتبيّن لنا إلّا في أقاويلهم من الصّدق و الكذب، و إن الأقاويل الصادقة و
الكاذبة لا تعرف إلا بميزان و قياس يقاس بهما و يوزن. و لما كان الميزان أيضا لا
يكون إلا من أشياء تجمع و تركّب ضربا من التأليف، حتى تصير ميزانا يمكن ان يوزن به
و يقاس عليه، مثال ذلك الميزان الذي تعرف به الأثقال، فإنه مجموع من كفّتين و عمود
و خيوط و صنجات، فهكذا سلكوا في اتخاذ الميزان المنطقي الذي يسمّى البرهان، و
بدءوا أولا فذكروا الأشياء التي منها يكون الميزان و الموزون جميعا في قاطيغورياس،
ثم ذكروا في بارامانياس كيف تركّب و تؤلّف تلك الأشياء، حتى يكون منها ميزان و
مقياس، ثم ذكروا في أنولوطيقا الأولى كيف يعتبر ذلك الميزان، حتى لا يكون فيه
الغبن و الاعوجاج، ثم ذكروا كيفيّة الوزن به، حتى يصحّ و لا يدخل الخلل في
أنولوطيقا الثانية.