الصنائع، و منها ما لا يبقى للفاعل أثر
كالرقص و الغناء. و جنس ينفعل نوعان:
إما في الأجسام كما بيّنّا في رسالة الصنائع العملية، و إما في
النفوس كما بيّنّا في رسالة الصنائع العلمية.
و إذ قد فرغنا من ذكر الأجناس العشرة، و بيّنّا كيفيّة انقسامها إلى
الأنواع، فنحتاج أن نذكر الأشياء التي لا بدّ من ذكرها، و ذلك أن هذه الأشياء، إذا
قابل بعضها بعضا، فلا يخلو أن يكون تقابلها في القول أو في ذواتها، فالذي في القول
هو الإيجاب و السّلب، فالإيجاب هو إثبات صفة لموصوف، و السّلب هو نفي صفة عن
موصوف، و الذي يخصّ هذا التّقابل الصّدق و الكذب. و أما الذي في ذوات الأشياء فهو
ثلاثة أنواع، أحدها في الأشياء المتضادّة، و الآخر في الأشياء التي في جنس المضاف،
و الآخر في القنية و العدم. و المتضادّان هما الشيئان اللذان ينافي كلّ واحد منهما
صاحبه، و لا يدور عليه؛ و المتضادان نوعان: ذو وسط و غير ذي وسط. فالذي هو ذو وسط
مثل السواد و البياض اللذين هما ضدّان و بينهما وسائط من الألوان كالحمرة و
الصّفرة و الخضرة و غيرها، و مثل الحلو و المرّ، فإنهما ضدّان و بينهما طعوم أخر،
كالحموضة و الملوحة و العذوبة و غيرها من الطعوم. و غير ذي الوسط كالصحة و المرض.
و من خاصيّة هذين الضدين أن أحدهما إذا كان في الجسم فالآخر أيضا يكون في الجسم،
فإن كان أحدهما في النفس فالآخر أيضا يكون في النفس؛ و خاصيّة أخرى أن إدراك
أحدهما إذا كان بحاسّة، فالآخر أيضا يدرك بتلك الحاسّة. مثال ذلك أن السواد لا
يكون إلّا في الجسم و لا يدرك إلّا في البصر، كذلك حكم البياض؛ و العلم لا يكون
إلّا في النفس و لا يدرك إلّا بالعقل، و الجهل كذلك حكمه.
و أما المضافان فإنهما متقابلان و لا يتنافيان، و يدور أحدهما على
الآخر كما بيّنّا قبل. و أما القنية و العدم فشبيه الضّدّ و المضاف جميعا، و ذلك
أن العدم يضاف إلى القنية، و القنية لا تضاف إلى العدم، فيقال: عمى البصر