فالعلم يهديك إلى طريق ملكوت السماء، و
يعينك على الصّعود إلى هناك، كقوله تعالى: «إِلَيْهِ يَصْعَدُ
الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ». و
أخبر عن أهل الجهالة فقال تعالى: «لا تُفَتَّحُ لَهُمْ
أَبْوابُ السَّماءِ، وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي
سَمِّ الْخِياطِ». و هذا وعيد لهم بالإياس عن الصّعود إلى ملكوت
السماء، فأعيذك أيها الأخ أن ترضى بأن تكون منهم أو معهم، و قيل إن المرء مع من
أحبّ، بل كن من الذين أمرهم رسول اللّه فقال: كن عالما أو متعلما، أو تجالس
العلماء أو تحب العلماء، و إيّاك و الخامس، إلّا أن تكون من الطوائف.
فصل في اشتراك الألفاظ و أخواتها
و إذ قد فرغنا من ذكر المعاني، و أخبرنا بأنها صور كلّها و رسوم في
أفكار النفوس الجزئية، و أنها تناولتها من الهيولى بطريق الحواسّ، و قلنا أيضا إن
الصّور التي في الهيولى فاضت عليها من النفس الكلّيّة الفلكيّة، و إن التي في
النفس أيضا فاضت عليها من العقل الفعال، و إن التي في العقل أيضا أفاضها عليه
الباري، عزّ و جلّ. و ذكرنا أيضا الألفاظ بمجرّدها، و أخبرنا أن الحروف التي هي
أصوات مفردة إذا ألّفت صارت ألفاظا، و أن الألفاظ إذا ضمّنت المعاني صارت أسماء، و
أن الأسماء إذا ترادفت صارت كلاما، و أن الكلام إذا ألصق صار أقاويل. و اعلم أن
المعاني هي الأرواح، و الألفاظ كالأجساد لها، و ذلك أن كلّ لفظة لا معنى لها فهي
بمنزلة جسد لا روح فيه. و كلّ معنى في فكر النفس لا لفظ له فهو بمنزلة روح لا جسد
له. و اعلم أن الكلمات إذا اتّسقت صارت أقاويل، و أن الأقاويل تختلف تارة من جهة
اللّفظ، و تارة من جهة المعنى، و تارة منهما جميعا، و هي خمسة أنواع، فمنها
المشتركة في اللفظ، المختلفة في المعنى،