العقل، فليعتبر حال العدد كيف كان في الواحد
الذي قبل الاثنين، و كيف نشأ منه كما بيّنّا في رسالة خواصّ العدد.
فصل في العلم و التعلّم و التعليم
و اعلم أن العلم ليس بشيء سوى صورة المعلوم في نفس العالم، و أن
الصّنعة ليست شيئا سوى إخراج تلك الصورة التي في نفس الصّانع العالم و وضعها في
الهيولى.
و اعلم يا أخي أن أنفس العلماء علّامة بالفعل، و أنفس المتعلمين
علّامة بالقوّة؛ و التعليم ليس شيئا سوى إخراج ما في القوّة إلى الفعل، و التعلّم
هو الخروج من القوّة إليه؛ و أن كلّ شيء بالقوة لا يخرج إلى الفعل إلّا لشيء هو
بالفعل يخرجه إليه، و أن النّفس الكلّيّة الفلكية هي علّامة بالفعل، و الأنفس
الجزئية علّامة بالقوّة. فكلّ نفس جزئية تكون أكثر معلومات و أحكم مصنوعات، فهي
أقرب إلى النّفس الكلّيّة، لقرب نسبتها إليها و شدّة شبهها بها، كما قيل في حدّ
الفلسفة إنها التشبّه بالإله بحسب الطاقة الإنسانيّة.
فاجتهد أن تكتسب معلومات كثيرة تكن أفعالك كلّها حكمية زكيّة، فإنها
القنية الروحانيّة، كما تجتهد أبناء الدنيا في اكتساب المال الذي هو القنية
الجسديّة.
و اعلم أنه كما أن المال يتمكّن الإنسان به مما يريده من اللّذات في
الدنيا و طيب العيش، فهكذا بالعلم تتمكن النّفس من اللّذات في الدّار الآخرة، و
بالعلم يتقرّب إلى اللّه أبناء الآخرة، و به يتفاضل بعضهم على بعض، كما قال اللّه
تعالى: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا
يَعْلَمُونَ؟» الآية.
و اعلم أن بالعلم تحيا النّفوس من موت الجهالة، و به تنتبه من نوم
الغفلة كما قال اللّه: «أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً
فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ»
الآية.