بسم اللّه الرحمن الرحيم اعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك اللّه و
إيانا بروح منه، أنه لمّا كان الإنسان أفضل الموجودات التي تحت فلك القمر، و كان
من فضيلته العلوم و الصنائع، و كان النّطق من أفضل الصنائع البشرية، أردنا أن
نبيّن ماهيّة النّطق، و كميّته و كيفيّته، إذ كان به ينفصل الإنسان من سائر
الحيوانات، كما يقال في حدّه إنه حيّ ناطق مائت، لأن سائر الحيوانات كلّها أحياء
مائتون غير ناطقين، و أيضا فإن النّطق من سائر الصنائع البشرية إلى الروحانيّة ما
هو أقرب، و ذلك أن سائر الصنائع الموضوع فيها الأجسام الطبيعية، موضوعاتها كلّها
جواهر جسمانية، كما بيّنّا في رسالة الصنائع.
فأما النّطق فإن الموضوع فيه جواهر النفس الجزئيّة الحيّة، و
تأثيراته فيها روحانيّة، مثل الوعد و الوعيد و الترغيب و الترهيب و المديح و
الهجاء؛ و الدليل على ذلك ما يتبيّن لنا من تأثيرات الكلام في النفوس، مثل ما يرى
من تأثيرات الأجسام بعضها في بعض.
و ذلك أن تأثيرات الأجسام بعضها في بعض نوعان: مفسد و مصلح، فالمصلح
مثل الطعام و الشّراب المصلحين لأجساد الحيوانات، و مثل