في جميع متصرفاتك و أحوالك في جميع أوقاتك
من أمر دنياك و آخرتك ليلا و نهارا إلى تأييدي لك، و انه لا يخفى علي من أمرك
صغيرة و لا كبيرة سرّا و علانية، و ليتبين لك و تعرف انك محتاج و مفتقر إليّ، و
أنك لا بدّ لك مني، فعند ذلك لا تعرض عني و لا تنساني، بل تكون في دائم الأوقات في
ذكري، و في جميع أحوالك تدعوني، و في جميع حوائجك تسألني، و في جميع متصرّفاتك
تخاطبني، و في جميع خلواتك تناجيني و تشاهدني و تراقبني، و تكون منقطعا إليّ عن
جميع خلقي، و متصلا بي دونهم، و تعلم أني معك حيث ما تكون أراك و لا تراني، فإذا
عرفت هذه كلّها، و تيقنت و بان لك حقيقة ما قلت و صحة ما وصفت، تركت كل شيء
وراءك، و أقبلت علي وحدك، فعند ذلك أقرّبك مني و أوصلك إليّ و أرفعك عندي و تكون
من أوليائي و أصفيائي و أهل جنتي في جواري مع ملائكتي مكرّما مفضّلا فرحا مسرورا
منعّما ملتذّا آمنا أبدا دائما سرمدا. فلا تظنّ بي يا عبدي الظنّ السّوء، و لا
تتوهّم على غير الحق، و اذكر سالف إنعامي عليك و قديم إحساني اليك و جميل آلائي
لديك، إذ خلقتك و لم تكن شيئا مذكورا خلقا سويّا، و جعلت لك سمعا لطيفا، و بصرا
حادّا، و حواسّ درّاكة، و قلبا ذكيّا، و فهما ثاقبا، و ذهنا صافيا، و فكرا لطيفا،
و لسانا فصيحا، و عقلا رصينا، و بنية تامة، و جنانا ثابتا، و صورة حسنة، و أعضاء
صحيحة، و أدوات كاملة، و جوارح طائعة؛ ثم ألهمتك الكلام و المقال، و عرّفتك
المنافع و المضارّ، و كيفيّة التصرف في الأحوال و الصنائع و الأعمال، و كشفت الحجب
عن بصرك، و فتحت عينيك لتنظر إلى ملكوتي و ترى عجائب فعلي، و تقدير مجاري الليل و
النهار، و الأفلاك الدوّارة و الكواكب السيّارة؛ و علّمتك حساب الأوقات و الأزمان
و الشهور و الأعوام، و سخّرت لك ما في البر و البحر من المعادن و النبات و الحيوان
تتصرف فيها تصرّف الملّاك، و تتحكم عليها تحكّم الأرباب، فلما رأيتك متعديا و
جائرا ظالما طاغيا باغيا