كانوا هم الخاسرين ... و كل هذا من فضل ربي
ليبلوني: أ أشكر أم أكفر:
«و من شكر. فإنما يشكر لنفسه، و من كفر فإن ربي غنيّ كريم».
فصل في حكاية أخرى
عن وليّ من أولياء اللّه تعالى لما تفكر في معنى التكليف و البلوى، و
لم يتّجه له وجه الحكمة فيهما، قال في مناجاته: ربّ خلقتني و لم تستأمرني، و توفيتني
و لم تستشرني، و أمرتني و نهيتني، و لم تخيّرني، و سلّطت علي هوى مؤذيا و شيطانا
مغويا، و ركّبت في نفسي شهوات مركوزة، و جعلت في عينيّ دنيا مزيّنة، و خوّفتني و
زجرتني بوعيد و تهديد، و قلت لي: فاستقم كما أمرت و لا تتبع الهوى فيضلّك عن
سبيلي، و احذر الشيطان لا يغوينّك، و الدّنيا لا تغرّنّك، و تجنّب شهواتك لا
تردّك، و أمانيك و آمالك أن تلهيك. و أوصيك بابناء جنسك فدارهم، و معيشة الدّنيا
فاطلبها من وجه الحلال، و أما الآخرة فلا تنسها و لا تعرض عنها فتخسر الدّنيا و
الآخرة، و ذلك هو الخسران المبين، فقد حصلت يا ربّ بين أمور متضادّة، و قوى
متجاذبة، و أحوال متغالبة، فلا أدري كيف أعمل، و لا أيّ شيء أصنع، و قد تحيّرت في
أموري، و ضلّت عني حيلتي، فأدركني يا ربّ و خذ بيدي، و دلّني على سبيل نجاتي، و
إلّا هلكت.
فأوحى اللّه، سبحانه، إليه و ألقى في سرّه و ألهمه و قال: يا عبدي ما
أمرتك بشيء تعاونني فيه، و لا نهيتك عن شيء كان يضرّني إن فعلته، بل انما أمرتك
لتعلم بأن لك ربّا و إلها هو خالقك و مصوّرك و رازقك و منشيك و حافظك و هاديك و
ناصرك و معينك، و لتعلم بأنك محتاج في جميع ما أمرتك به إلى معاونتي و توفيقي و
هدايتي و تيسيري و عنايتي، و لتعلم أيضا بأنك محتاج في جميع ما نهيتك عنه إلى
عصمتي و حفظي و رعايتي، و انك محتاج