المؤمن إذا فارقت الجسد صعد بها إلى سعة
السماوات و فسحة الأفلاك فيكون سائحا هناك حيث شاء ذهب و جاء؛ كما روي عن النبي،
صلى اللّه عليه و سلم، أنه قال: أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح بالنهار في
الجنّة على رءوس أشجارها و أنهارها و ثمارها، و تأوي بالليل إلى قناديل معلّقة تحت
العرش. فهذه حال أرواح المؤمنين الصالحين بعد الموت، و أما حال أرواح الكافرين و
الفاسقين و الفاجرين و المنافقين فلا يصعد بها إلى هناك بل تحجب دون السماء و تهيم
في هاوية البرزخ إلى يوم يبعثون؛ و إليهم أشار بقوله تعالى:
«لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَ لا يَدْخُلُونَ
الْجَنَّةَ» إلى قوله: «وَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ» لأنه لا يليق بها ذلك المكان الشريف و المحلّ الأعلى، كما لا يليق
بالأوساخ من الناس و الأقذار منهم مجالس الملوك و السادة و الكرام.
فإن أردت يا أخي أن تعرج بروحك إلى هناك بعد فراق الجسد، فاجتهد قبل
ذلك، و اغسلها من درن الأخلاق الرديئة و وسخ الآراء الفاسدة، و أخرجها من ظلمات
الجهالات المتراكمة، و جنّبها الأعمال السيئة، و ألبسها لباس التقوى، و زمّها عن
الانهماك في الشهوات الجرمانيّة و الغرور باللذّات الجسمانية. فأما الآراء الفاسدة
فقد بيّنّاها في رسالة لنا، و أما كيفيّة الخروج من الجهالات المتراكمة، فقد
بيّنّاها في إحدى و خمسين رسالة عملناها في فنون العلوم و غرائب الحكم و طرائف
الآداب، و أما تهذيب الأخلاق فقد وصفنا بعضها في هذه الرسالة و بعضها في رسالة
عشرة إخوان الصفاء، و الأصدقاء الكرام، فاقرأهما و اعمل بما ذكرنا فيهما، و
علّمهما إخوانك و أصدقاءك، فإنك بذلك تفوز و تنال الزّلفى عند ربّك أبد الآبدين و
دهر الداهرين مع النبيّين و الصّديقين و الشهداء و الصالحين، و حسن أولئك رفيقا.