فاعلم أيها الأخ البارّ الرحيم، أيدك اللّه
و إيانا بروح منه، بأن الصنائع البشرية نوعان علميّة و عمليّة، و تقدّم القول في
العلميّة فيما تقدّم، فنقول:
أولا ما العلوم؟ العلوم هي صور المعلومات في نفس العالم.
و اعلم يا أخي بأن العلم لا يكون إلّا بعد التعليم و التعلّم، و
التعليم هو تنبيه النفس العلّامة بالفعل للنفس العلّامة بالقوّة، و التعلّم هو
تصوّر النفس لصورة المعلوم.
و اعلم يا أخي بأن النفس انما تنال صور المعلومات من طرقات ثلاث،
إحداها طريق الحواس، و الأخرى طريق البرهان، و الأخيرة طريق الفكر و الرويّة. و قد
عملنا في كل واحدة منها رسالة، فنريد أن نذكر الآن الصّنائع العملية فنقول:
ان الصّنعة العمليّة هي إخراج الصانع العالم الصورة التي في فكره، و
وضعها في الهيولى. و المصنوع هو جملة مصنوعة من الهيولى و الصورة جميعا، و ابتداء
ذلك من تأثير النفس الكليّة فيها بقوة تأييد العقل الكلّي بأمر اللّه جلّ ثناؤه.
و اعلم بأن المصنوعات أربعة أجناس: بشرية و طبيعية و نفسانية و
إلهيّة.
فالبشريّة مثل ما يعمل الصّنّاع من الأشكال و النقوش و الأصباغ في
الأجسام الطبيعية، في أسواق المدن و غيرها من المواضع. و المصنوعات الطبيعية هي
صور هياكل الحيوانات، و فنون أشكال النبات، و ألوان جواهر المعادن. و المصنوعات
النفسانيّة مثل نظام مراكز الأركان الأربعة التي هي تحت فلك القمر، و هي النّار و
الهواء و الماء و الأرض، و مثل تركيب الأفلاك، و نظام صورة العالم بالجملة. و
المصنوعات الإلهية هي الصّور المجرّدة من الهيوليّات المخترعات من مبدع المبدعات،
تعالى، وجودا من العدم، ليس من ليس، و شيء لا من شيء، دفعة واحدة بلا زمان، و لا
مكان و لا هيولى، و لا صورة و لا حركة، لأنها كلّها مبدعات الباري