و مخترعاته و مصنوعاته. فتبارك اللّه أحسن
الخالقين و أحكم الحاكمين و أرحم الرّاحمين.
و اعلم يا أخي بأن كلّ صانع من البشر محتاج في تتميم صنعته إلى ستة
أشياء مختلفة، و هو السابع؛ و إلى سبع حركات، و إلى سبع جهات. فأما الأشياء
المختلفة فهي الهيولى و المكان و الزمان و الأداة و الآلة و الحركة، و السابع
النفس. و كل صانع طبيعيّ فمحتاج إلى أربعة منها، و هي الهيولى و المكان و الزمان و
الحركة، و كل صانع نفسانيّ فمحتاج إلى اثنين منها، و هما الهيولى و الحركة حسب؛ و
كل صانع عقليّ فمحتاج إلى صورة واحدة فقط، و هو العقل الأول أثر من مبدع البدائع
الحقّ، لا من شيء إلى شيء. و أما الباري، جلّ ثناؤه، فغير محتاج إلى شيء منها،
لأنها كلّها مخترعاته و مبتدعاته، أعني الهيولى و الصورة و المكان و الزّمان و
الحركة و الآلة و الأدوات كلّها.
فصل في الصورة و الهيولى و الأداة
و اعلم يا أخي أن الجسم الواحد يسمّى تارة هيولى، و تارة موضوعا، و
تارة صورة، و تارة مصنوعا، و تارة آلة، و تارة أداة؛ و إنما يسمّى الجسم هيولى
للصورة التي يقبلها و هي الأشكال و النقوش و الأصباغ و ما شاكلها؛ و يسمّى موضوعا
للصانع الذي يعمل منه و فيه صنعته من الأشكال و النقوش، و إذا قبل ذلك سمّي
مصنوعا؛ و إذا استعمله الصانع في صنعته أو في صنعة أخرى يسمّى أداة. مثال ذلك قطعة
حديد، فإنه يقال لها هيولى لكل صورة تقبلها، و يقال لها أيضا إنها موضوع للحدّاد
الذي يعمل فيها صنعته، و إذا صنع الحدّاد منه سكّينا أو فأسا أو منشارا أو مبردا
أو غير ذلك، سمّي مصنوعا؛ و إذا استعمل السّكّين القصّاب