و اعلم يا أخي بأن الصّفات المختصّة بالجسد بمجرّده هي ان الجسد جوهر
جسمانيّ طبيعي ذو طعم و لون و رائحة و ثقل و خفّة و سكون و لين و خشونة و صلابة و
رخاوة، و هو متكوّن من الاخلاط الأربعة التي هي الدم و البلغم و المرّتان المتولدة
من الغذاء الكائن من الأركان الأربعة التي هي النار و الهواء و الماء و الأرض ذوات
الطبائع الأربع التي هي الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة؛ و هو منفسد أعني
الجسد و متغير و مستحيل و راجع إلى هذه الأركان الأربعة بعد الموت الذي هو مفارقة
النفس الجسد و تركها استعماله.
و أما الصفات المختصّة بالنفس بمجرّدها فهي أنها جوهرة روحانيّة
سماوية نورانية حيّة بذاتها علّامة بالقوّة، فعّالة بالطبع، قابلة للتعاليم،
فعّالة في الأجسام، و مستعملة لها، و متمّمة للأجسام الحيوانية و النباتيّة إلى
وقت معلوم، ثم انها تاركة لهذه الأجسام و مفارقة لها، و راجعة إلى عنصرها و معدنها
و مبدئها كما كانت، إما بربح و غبطة أو ندامة و حزن و خسران، كما ذكر اللّه، عزّ و
جلّ، بقوله: «كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ: فَرِيقاً هَدى، وَ فَرِيقاً
حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ». و قال عزّ و جلّ: «كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ، وَعْداً عَلَيْنا
إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ». و قال تعالى: «أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ
إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ»؟ فكفى بهذا يا أخي زجرا و
وعيدا و تهديدا و توبيخا و مذكرا و نذيرا، إن كنت منتبها من نوم الغفلة و مستيقظا
من رقدة الجهالة.
و أعيذك أيها الأخ البارّ الرحيم أن تكون من الذين ذمّهم ربّ
العالمين بقوله: «لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها، وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لا
يُبْصِرُونَ بِها، وَ لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها، أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ،
بَلْ هُمْ أَضَلُّ؛ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ».
أ فترى ذمّهم من أجل انهم لم يكونوا يعقلون أمر معيشة الدنيا؟ انما
ذمّهم