اعلم يا أخي، أيدك اللّه و إيانا بروح منه، بأن الإنسان لما كان هو
جملة مجموعة من جسد جسمانيّ و نفس روحانية، و هما جوهران متباينان في الصّفات،
متضادّان في الأحوال، و مشتركان في الأفعال العارضة و الصّفات الزّائلة، صار
الإنسان من أجل جسده الجسمانيّ مريدا للبقاء في الدّنيا، متمنّيا للخلود فيها، و
من أجل نفسه الروحانية صار طالبا للدار الآخرة، متمنّيا للبلوغ إليها، و هكذا أكثر
أمور الإنسان و تصرّف أحواله مثنويّة، متضادّة كالحياة و الممات و النّوم و اليقظة
و العلم و الجهالة و التذكّر و الغفلة و العقل و الحماقة و المرض و الصّحة و
الفجور و العفّة و البخل و السخاء و الجبن و الشجاعة و الألم و اللّذّة، و هو
متردد بين الصداقة و العداوة و الفقر و الغنى و الشبيبة و الهرم و الخوف و الرجاء
و الصّدق و الكذب و الحق و الباطل و الصواب و الخطإ و الخير و الشر و القبح و
الحسن و ما شاكلها من الأخلاق و الأفعال و الأقاويل المتضادة المتباينة التي تظهر
من الإنسان الذي هو جملة مجموعة من جسد جسماني و نفس روحانية.
و اعلم يا أخي بأن هذه الخصال التي عدّدنا لا تنسب إلى الجسد بمجرّده
و لا إلى النفس بمجرّدها، و لكن إلى الانسان الذي هو جملتها و المجموع منهما الذي
هو حيّ ناطق مائت، فحياته و نطقه من قبل نفسه و موته من قبل جسده، و هكذا نومه من
قبل جسده و يقظته من قبل نفسه.
و على هذا القياس سائر أموره و أحواله المتباينات المتضادّات، بعضها
من قبل النفس، و بعضها من قبل الجسد، مثال ذلك عقله و علمه و حلمه و تفكّره و
سخاؤه و شجاعته و عفته و عدله و حكمته و صدقه و صوابه و خيره و ما شاكلها من
الخصال المحمودة، فكلها من قبل نفسه و صفاء جوهرها، و أضدادها من قبل أخلاط جسده و
مزاج أخلاطه.