فقد تبيّن بما ذكرنا طرف من حكمة الحكماء
الموسيقيين المستعملين لها في المارستانات في الأوقات المضادّة لطبيعة الأمراض و
الأعراض و الأعلال.
و هم اقتصروا على أربعة أوتار لا أكثر و لا أقلّ. فأما العلّة التي
من أجلها جعلوا غلظ كلّ وتر مثل غلظ الذي تحته و مثل ثلثه، فذلك منهم أيضا اقتداء
بحكمة الباري، جلّ ثناؤه، و اتّباع لآثار صنعه في المصنوعات الطبيعية، و ذلك أن
الحكماء الطبيعيين ذكروا أن أقطار أكر الأركان الأربعة التي هي النّار و الهواء و
الماء و الأرض، كلّ واحد منها مثل الذي تحته و مثل ثلثه في الكيفيّة، أعني في
اللطافة و الغلظ، فقالوا ان قطر كرة الأثير، أعني كرة النّار التي دون فلك القمر،
مثل قطر كرة الزّمهرير و مثل ثلثها؛ و قطر كرة الزّمهرير مثل قطر كرة النسيم و مثل
ثلثها؛ و قطر كرة النّسيم مثل قطر كرة الماء و مثل ثلثها؛ و قطر كرة الماء مثل قطر
كرة الأرض و مثل ثلثها. و معنى هذه النّسبة أن جوهر النّار في اللطافة مثل جوهر
الهواء و مثل ثلثه؛ و جوهر الهواء في اللطافة مثل جوهر الماء و مثل ثلثه؛ و جوهر
الماء في اللطافة مثل جوهر الأرض و مثل ثلثها. و أما علّة شدّهم الزّير الذي هو
مماثل لركن النّار و نغمته مماثلة لحرارة النّار و حدّتها، تحت الأوتار كلّها؛ و
شدّهم البمّ المماثل لركن الأرض فوقها كلّها، و المثنى مما يلي الزّير، و المثلث
مما يلي البمّ، فهي أيضا لعلّتين اثنتين، إحداهما أن نغمة الزّير حادة خفيفة
تتحرّك علوا، و نغمة البمّ غليظة ثقيلة تتحرّك إلى أسفل، فيكون ذلك أمكن لمزاجهما
و اتحادهما. و كذلك حال المثنى و المثلث. و العلّة الأخرى أن نسبة غلظ الزّير إلى
غلظ المثنى، و المثنى إلى المثلث، و المثلث إلى البمّ كنسبة قطر الأرض إلى قطر كرة
النّسيم، و كرة النّسيم إلى كرة الزّمهرير، و الزّمهرير إلى الأثير؛ فهذا كان سبب
شدّهم لها على هذا