و اعلم يا أخي بأن لكل نفس من المؤمنين
أبوين في عالم الأرواح، كما أن لأجسادهم أبوين في عالم الأجساد، كما قال رسول
اللّه، صلى اللّه عليه و سلم، لعليّ، رضي اللّه عنه: أنا و أنت يا علي أبوا هذه
الأمّة. قال اللّه تعالى:
«مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ، هُوَ سَمَّاكُمُ
الْمُسْلِمِينَ». و هذه الأبوّة روحانيّة لا جسمانية. فنرجع إلى ما كنّا فيه فنقول:
إن الحكماء الموسيقاريّين إنما اقتصروا من أوتار العود على أربعة لا أقلّ و لا
أكثر، لتكون مصنوعاتهم مماثلة للأمور الطبيعية التي دون فلك القمر، اقتداء بحكمة
الباري، جلّ ثناؤه، كما بيّنّا في رسالة الأرثماطيقي، فوتر الزّير مماثل لركن
النّار، و نغمته مناسبة لحرارتها و حدّتها؛ و المثنى مماثل لركن الهواء، و نغمته
مناسبة لرطوبة الهواء و لينه؛ و المثلث مماثل لركن الماء، و نغمته مناسبة لرطوبة
الماء و برودته؛ و البمّ مماثل لركن الأرض، و نغمته مماثلة لثقل الأرض و غلظها. و
هذه الأوصاف لها بحسب مناسبة بعضها إلى بعض، و بحسب تأثيرات نغماتها في أمزجة طباع
المستمعين لها، و ذلك أن نغمة الزير تقوّي خلط الصفراء، و تزيد في قوّتها و
تأثيرها، و تضادّ خلط البلغم و تلطّفه؛ و نغمة المثنى تقوّي خلط الدّم، و تزيد في
قوته و تأثيره، و تضادّ خلط السوداء و ترقّقه و تليّنه؛ و نغمة المثلث تقوّي خلط
البلغم، و تزيد في قوّته و تأثيره، و تضادّ خلط الصّفراء، و تكسر حدّتها؛ و نغمة
البمّ تقوي خلط السوداء، و تزيد في قوتها و تأثيرها، و تضادّ خلط الدّم، و تسكّن
فورانه. فإذا ألّفت هذه النغمات في الألحان المشاكلة لها، و استعملت تلك الألحان
في أوقات الليل و النهار المضادّة طبيعتها طبيعة الأمراض الغالبة و العلل العارضة،
سكّنتها و كسرت سورتها، و خفّفت على المرضى آلامها، لأن الأشياء المتشاكلة في
الطباع إذا كثرت و اجتمعت، قويت أفعالها و ظهرت تأثيراتها، و غلبت أضدادها، كما
يعرف الناس مثل ذلك في الحروب و الخصومات.