ليست لذّة و لا نعيم و لا فرح و لا سرور غير
هذه المحسوسات التي يشاهدونها، و ان الذي أخبرت به الأنبياء، :، من
نعيم الجنّات و لذّات أهلها باطل؛ و الذي أخبرت به الحكماء من سرور عالم الارواح و
فضله و شرفه كذب و زور ليست له حقيقة، فيقعون في شكوك و حيرة. و اعلم يا أخي، أيدك
اللّه و إيانا بروح منه، انك ان لم تؤمن للأنبياء، :، بما أخبروك عنه
من نعيم الجنان و لذّات أهلها، و لم تصدّق الحكماء بما عرّفوك من سرور عالم
الأرواح، و رضيت بما تخيّل لك الأوهام الكاذبة و الظنون الفاسدة، بقيت متحيّرا
شاكّا ضالّا مضلّا.
و اعلم يا أخي، أيّدك اللّه و إيانا بروح منه، بأن غرض الأنبياء،
عليهم السّلام، في وضعهم النواميس و الشرائع، و غرض الحكماء في وضع السّياسات ليس
هو إصلاح أمور الدنيا فحسب، بل غرضهم جميعا في ذلك إصلاح الدّين و الدّنيا جميعا.
فأما غرضهم الأقصى فهو نجاة النفوس من محن الدّنيا و شقاوة أهلها، و إيصالها إلى
سعادة الآخرة و نعيم أهلها.
و نرجع الآن إلى ما كنّا فيه فنقول: إنه إذا وصلت معاني النّغمات و
الألحان إلى أفكار النفوس، بطريق السّمع، و تصوّرت فيها رسوم تلك المعاني التي
كانت مستودعة في تلك الألحان و النغمات، استغنى عن وجودها في الهواء كما يستغنى عن
المكتوب في الألواح إذا فهم و حفظ ما كان فيها مكتوبا من المعاني، و هكذا يكون حكم
النفوس الجزئية إذا ما هي تمّت و كملت، و بلغت إلى أقصى مدى غاياتها مع هذه
الأجسام، فعند ذلك هدمت أجسامها إمّا بموت طبيعيّ او عرضيّ، او بقربان في سبيل
اللّه تعالى، و استخرجت تلك النفوس من الأجسام كما يستخرج الدّرّ من الصّدف، و
الجنين من الرّحم، و الحبّ من الأكمام، و الثمرة من القشرة، و استؤنف بها أمر آخر،
كما يستأنف بالدّرّ أمر آخر إذا رمي بالصّدف و حصل الدّرّ، و هكذا حكم الثمار و
الحبّ إذا أدركت و نضجت،