و عقل الأمور، و فهم وصايا اللّه و وعده و
وعيده، فأهمل أمر الدين و لم يتعظ، و انصرف إلى شهواته و ملذاته، و ساءت سيرته و
أعماله، كانت نفسه شيطانة بالقوة. فإذا فارقت جسدها عند الموت صارت شيطانة بالفعل.
و ذلك أنها سلبت بموتها الحواس الخمس التي كانت تتناول بها ملذاتها الجسمانية،
فصارت ممنوعة عنها، بعد ما اعتادتها في الماضي من عمرها، فلا هي تستطيع الرجوع
إليها، و لا هي تبلغ النعيم لتستغني عنها، فيكون عذابها في شوقها إلى شهواتها
الجرمانية، و تبقى هائمة في الجو دون فلك القمر، و تطرح بها أمواج الطبيعة في بحر
الهيولى إلى كل فج عميق، و هي مشتعلة بنيران شهواتها، و تكون معذبة بذاتها من وزر
سيئاتها و سوء عاداتها إلى يوم القيامة الكبرى. فهذه هي جهنم الكفار و الأشرار و
الفساق و الفجار.
و أما نفوس المؤمنين الصالحين فإنها ملائكة بالقوة، فإذا فارقت
أجسادها كانت ملائكة بالفعل. و معنى القيامة الكبرى عند الإخوان هو رجوع النفس
الكلية إلى عالمها الروحاني، و خراب العالم الجسماني بعد فراقها.
جملة القول
لم يعرض إخوان الصفاء رسائلهم الفلسفية بأسلوب علمي محكم التنسيق، فجاءت
مباحثهم و آراؤهم متراخية مفككة، منتشرة هنا و هناك، فيها عود و تكرار، و مزج غريب
اختلطت فيه الفلسفة التقليدية و العلوم الرياضية و الطبيعية بخرافات من السحر و
التنجيم، و حكايات تشبه أمثال كليلة و دمنة و أسمار ألف ليلة و ليلة، فجاء فيها من
كل فن خبر حتى جعلها المستشرق دي بور أشبه بدائرة معارف لاشتمالها على مجمل ما
انتهت إليه علوم الأقدمين و عقائدهم، على غير تعمق في عرض المسائل و بحثها و
حلّها، مع ما يتخللها من الرموز و الأحاجي التي يتيه القارئ في دياميسها؛ قال أبو
حيّان التوحيدي:
«قد رأيت جملة منها، و هي مبثوثة من كل فن بلا إشباع و لا كفاية.