مضيء، و نصفه ليل مظلم، و أيضا نصفه صيف
حارّ، و نصفه شتاء بارد، و هما يتداولان في مجيئهما و ذهابهما، كلما ذهب هذا، رجع
هذا، و تارة يزيد هذا، و ينقص هذا، و كلما نقص من أحدهما، زاد في الآخر بذلك
المقدار، حتى إذا تناهيا إلى غايتهما في الزيادة و النّقصان، ابتدأ النقص في الذي
تناهى في الزيادة، و ابتدأت الزيادة في الذي تناهى في النقصان، فلا يزالان هكذا
إلى أن يتساويا في مقداريهما، ثم يتجاوزان على حالتيهما إلى ان يتناهيا في
غايتيهما من الزيادة و النقصان، و كلما تناهى أحدهما في الزيادة ظهرت قوّته و كثرت
أفعاله في العالم، و خفيت قوة ضدّه و قلّت أفعاله. فهكذا حكم الزمان في دولة أهل
الخير و دولة أهل الشر: تارة تكون الدولة و القوة و ظهور الافعال في العالم لأهل
الخير؛ و تارة تكون الدولة و القوّة و ظهور الافعال في العالم لاهل الشر، كما ذكر
اللّه، عزّ و جلّ، و قال: «وَ تِلْكَ الْأَيَّامُ
نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ»،
«وَ ما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ».
فصل
و قد نرى أيها الاخ البارّ الرحيم، أيدك اللّه و إيانا بروح منه، انه
قد تناهت دولة أهل الشر و ظهرت قوتهم و كثرت أفعالهم في العالم في هذا الزمان، و
ليس بعد التناهي في الزيادة الا الانحطاط و النّقصان. و اعلم بأن الدولة و الملك
ينتقلان في كل دهر و زمان و دور و قران من امة إلى امة، و من أهل بيت إلى أهل بيت،
و من بلد إلى بلد.
و اعلم يا أخي أن دولة أهل الخير يبدأ أولها من قوم علماء حكماء و
خيار فضلاء يجتمعون على رأي واحد، و يتفقون على مذهب واحد و دين واحد، و يعقدون
بينهم عهدا و ميثاقا ان لا يتجادلوا و لا يتقاعدوا عن نصرة بعضهم بعضا، و يكونون
كرجل واحد في جميع أمورهم، و كنفس واحدة في