تلك المواضع. و هذه جملة يطول شرحها. و ذكر
ان ملكا من الأولين أمر وقتا من الزّمان بأن تعدّ المدن المسكونة من الرّبع
المسكون من الأرض، فوجد سبعة عشر الف مدينة سوى القرى.
و اعلم بأنه ربما يزيد عدد مدن الارض و ينقص، و ذلك بحسب موجبات
أحكام القرانات و أدوار الافلاك الألوف، و ذلك أن بالقرانات الدّالة على قوة
السعود، و اعتدال الزمان، و استواء طبيعة الاركان، و مجيء الانبياء، و تواتر
الوحي، و كثرة العلماء، و عدل الملوك، و صلاح أحوال الناس، و نزول بركات السماء
بالغيث، تزكو الارض و النبات، و يكثر توالد الحيوان، و تعمر البلاد و يكثر بنيان المدن.
و بالقرانات الدّالّة على قوة النحوس و فساد الزمان، و خروج المزاج عن الاعتدال، و
انقطاع الوحي، و قلة العلماء، و موت الاخيار، و جور الملوك، و فساد أخلاق الناس و
سوء اعمالهم و اختلاف آرائهم، يمنع نزول البركات من السماء بالغيث فلا تزكو الارض،
و يجفّ النبات، و يهلك الحيوان، و تخرب المدن في البلاد.
و اعلم يا أخي بأن أمور هذه الدّنيا دول و نوب تدور بين أهلها قرنا
بعد قرن، و من أمة إلى أمة، و من بلد إلى بلد.
فصل
و اعلم بأن كل دولة لها وقت منه تبتدي، و غاية اليها ترتقي، و حدّ
اليه تنتهي؛ فإذا بلغت إلى أقصى غاياتها و مدى نهاياتها تسارع اليها الانحطاط و
النّقصان، و بدا في أهلها الشؤم و الخذلان، و استأنف في الآخرين من القوّة و
النشاط و الظهور و الانبساط، و جعل كلّ يوم يقوى هذا و يزيد، و يضعف ذاك و ينقص،
إلى أن يضمحلّ الأول المقدّم و يستمكن الآتي المتأخّر. و المثال في ذلك مجاري
أحكام الزمان، و ذلك أن الزّمان كلّه نصفان، نصفه نهار