حكمته و غرائب صنعته، و لا انتفعوا بشيء
منها أكثر من تمتّعهم تلك الليلة بالأكل و الشّرب حسب.
فهكذا حكم أبناء الدّنيا الواردين إليها جاهلين، الماكثين فيها
متحيّرين مكرهين، المنكرين أمر الدّار الآخرة، الرّاحلين عنها كما قال اللّه، جلّ
ثناؤه: «وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى، فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ
أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا» و قال ذمّا لهم: «صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ» بأمر الآخرة، فأعيذك أيها الأخ البارّ الرّحيم أن تكون منهم، بل كن
من الذين مدحهم عزّ و جلّ فقال، جلّ ثناؤه: «تِلْكَ
الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ
وَ لا فَساداً، وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» و
حكى قولهم لما تمنّوا عرض الدّنيا حين قالوا:
«يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» و قال الذين أوتوا العلم بحقيقة أمر الآخرة
«وَيْلَكُمْ، ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً، وَ لا
يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ» «وَ ما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا،
وَ ما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ»
وفّقك اللّه أيها الأخ البار الرحيم للسّداد، و هداك للرّشاد و جميع اخواننا حيث
كانوا في البلاد. و إذ قد فرغنا من ذكر الأرض و وصفنا الرّبع المسكون، نريد أن
نذكر الأقاليم السّبعة و نبيّن حدودها طولا و عرضا، و ما في كل إقليم من المدن
الكبار و الجبال و الأنهار الطّوال.
فاعلم ايها الأخ البارّ الرحيم، أيدك اللّه و إيانا بروح منه، بأن
حدود الاقاليم معتبرة بساعات النهار و تفاوت الزيادة فيها، و بيان ذلك انه إذا
كانت الشمس في أول برج الحمل كان طول الليل و النهار و ساعاتهما تتساوى في هذه
الأقاليم كلها فإذا سارت الشمس في درجات برج الحمل و الثّور و الجوزاء اختلفت
ساعات نهار كلّ إقليم، حتى إذا بلغت آخر الجوزاء الذي هو أول السرطان، صار طول
النهار في وسط الاقليم الأول ثلاث عشرة ساعة، و في وسط الإقليم الثاني ثلاث عشرة
ساعة و نصفا، و في وسط الاقليم الثالث أربع