و ساحت في فضاء الأفلاك، و سعة السّماوات،
فهي مغتبطة فرحانة مسرورة ملتذّة ما دامت السماوات و الأرض. و اما عفاريت الجنّ و
مردة الشّياطين فهي نفوس شرّيرة مفسدة، و قد كانت متجسّدة قبل وقتا من الزّمان،
ففارقت أجسادها غير مستبصرة و لا متهذّبة، فبقيت عميا عن رؤية الحقائق، صمّا عن
استماع الصّواب، بكما عن النّطق الفكريّ في المعاني اللطيفة، فهي سابحة في ظلمات
بحر الهيولى، غائصة في قعر من الأجسام المظلمة، ذي ثلاثة شعب، تهوي في هاوية
البرزخ[1] كلما نضجت
جلودهم بالبلاء بدّلناهم جلودا غيرها بالكون، فذلك دأبهم ما دامت السّماوات و
الأرض لابثين فيها أحقابا لا يجدون برد نسيم عالم الأرواح، و لا يذوقون لذّة شراب
المعارف، فهذه حالهم إلى يوم يبعثون. و أما الظّاهر من تأثيرات الرأس و الذّنب فهو
كسوف النّيّرين، و ذلك أنهما من أوكد الأسباب في كسوفهما، و إنما اقتضت الحكمة
كسوف النّيّرين، لكيما تزول التّهمة و الرّيبة من قلوب المرتابين بأنهما إلهان،
فلو كانا إلهين ما انكسفا، و إنما صارت محنة الشّخصين النّيّرين الجليلين بأمرين
خفيّين، ليكون دليلا[2]. على أن
أعظم المحنة من الشّيطان على الأنبياء، صلوات اللّه عليهم أجمعين، لأن الأنبياء هم
شموس بني آدم و أقمارهم، فمن ذلك قصّة إبليس مع آدم أبي البشر و إخراجه له من
الجنة، و قصّة ركوبه مع نوح في السفينة، و قصّته مع ابراهيم خليل الرحمن، يوم طرح
في النار، في إصلاح المنجنيق[3]، و قصّته
مع موسى، 7، حين وسوس إليه ان هذا الكلام الذي تسمع لعلّه ليس كلام ربّ
العالمين، فعند ذلك قال موسى: «ربّ أرني أنظر إليك، قال: لن تراني.»