و قصّته مع المسيح و زكريّا و يحيى، عليهم
السّلام، و غيرهم من الأنبياء معروفة يطول شرحها. و انما ذكرنا هذه الأحرف في هذه
الرسالة لأن أكثر أهل زماننا النّاظرين في علم النجوم شاكّون في أمر الآخرة،
متحيّرون في أحكام الدين، جاهلون بأسرار النّبوات، منكرون للحساب و البعث،
فدللناهم على تحقيق ما أنكروه من صناعتهم ليكون أقرب من فهمهم و أوضح لبيانهم، و
كذلك فعلنا في سائر رسائلنا التي عملناها في فنون العلوم.
فصل في علم أحكام النجوم
و إذ قد ذكرنا طرفا من علم الهيئة و تركيب الأفلاك شبه المدخل و
المقدّمات، فنريد أن نذكر أيضا طرفا من علم الأحكام الذي يعرف بالاستدلال:
اعلم يا أخي، أيّدك اللّه و إيانا بروح منه، أن العلماء مختلفون في
تصحيح علم الأحكام و حقيقته، فمنهم من يرى و يعتقد أن للأشخاص الفلكيّة دلالات على
الكائنات في هذا العالم قبل كونها؛ و منهم من يرى و يعتقد أن لها أفعالا و تأثيرات
أيضا مع دلالاتها؛ و منهم من يرى و يعتقد أن ليس لها أفعال و لا تأثيرات و لا
دلالات البتّة، بل ترى أن حكمها حكم الجمادات و الموات بزعمهم. فأما الذين قالوا
إن لها دلالات فهم أصحاب الأحكام، و إنما عرفوا دلالاتها بكثرة العناية بالأرصاد
لحركاتها و تأثيراتها، و النّظر فيها، و اعتبار أحوالها و شدّة البحث عنها. و
النّاس لتصاريف أمورها على ممرّ الأيام و الشّهور و الأعوام، أمّة بعد أمّة و قرنا
بعد قرن، كلما أدركوا شيئا منها أثبتوه في الكتب، كما ذكروها في كتبهم بشرح طويل.
و أمّا الذين أنكروا ذلك فهم طائفة من أهل الجدل تركوا النّظر في هذا العلم، و
أعرضوا عن اعتبار أحوال الفلك و أشخاصه و حركاته و دورانه، و أغفلوا البحث عنها