و صدق الورع و محض التقى. و من كانت هذه
حاله في الدّنيا فهو من السعداء في الآخرة.
و من ذلك أيضا النّحسان: زحل و المرّيخ، فإن أحدهما دليل على منحسة
أبناء الدّنيا و هو زحل، و ذلك انه إذا استولى على المواليد دلّ ذلك على الشّقاء و
البؤس و الفقر و المرض و العسر في الأمور، و من كانت هذه حاله في الدّنيا فهو من
الأشقياء فيها. و أما المرّيخ فانه دليل على منحسة أبناء الآخرة، و ذلك انه اذا
استولى على المواليد دلّ لهم على الشّرور من الفسق و الفجور و القتل و السّرقة و
الفساد في الأرض؛ و من كانت هذه حاله في الدّنيا فهو من الاشقياء في الآخرة. و أما
من استولى على مولده المشتري و الزّهرة فسعادتهما دلالة على السعادة في الدّنيا و
الآخرة؛ و من استولى على مولده زحل و المرّيخ فنحوستهما دلالة على منحسة الدنيا و
الآخرة. و أما امتزاج عطارد بالسعادة و النحوسة فهو دليل على أمور الدّنيا و
الآخرة و تعلّق إحداهما بالأخرى.
و أما كون البروج المنقلبة فحالاتها تدلّ على تقلّب احوال أبناء
الدّنيا؛ و البروج الثوابت تدلّ على ثبات أحوال أبناء الآخرة؛ و البروج ذوات
الجسدين تدلّ على تعلّق أمور الدّنيا و الآخرة أحدهما بالآخر.
و قد قيل إن طالع الدّنيا السّرطان، و هو برج منقلب، و أوتاده مثله.
و أما العقدتان اللتان تسمّى إحداهما رأس التنّين و الأخرى الذنب فليسا بكوكبين و
لا جسمين، و لكنهما أمران خفيّان، كما بيّنّا قبل، و لهما حركات في البرج كحركات
الكواكب، و لهما دلالة على الكائنات كدلالة الكواكب النّحوس، و هما خفيّا الذات،
ظاهرا الأفعال؛ فخفاء ذاتيهما و ظهور أفعالهما يدلّ على أن في العالم نفوسا
أفعالها ظاهرة و ذواتها خفيّة يسمّون الروحانيين، و هم أجناس الملائكة و قبائل
الجنّ و أحزاب الشّياطين. فأجناس الملائكة هي نفوس خيّرة موكّلة بحفظ العالم و
صلاح الخليقة، و قد كانت متجسّدة قبل وقتا من الزمان فتهذّبت و استبصرت و فارقت
أجسادها و استقلّت بذاتها، و فازت و نجت