إذا بلغت الشّمس آخر الجوزاء و أول السرطان تناهى طول النهار، و قصر
الليل، و أخذ النهار في النّقصان، و انصرف الربيع، و دخل الصيف، و اشتدّ الحرّ و
حمي الهواء و هبّت السّموم، و نقصت المياه، و يبس العشب، و استحكم الحبّ، و أدرك
الحصاد و نضجت الثّمار و سمنت البهائم، و اشتدّت قوّة الأبدان، و أخصبت الأرض، و
كثر الريف[1]، و درّت
أخلاف النّعم[2] و بطر
الإنسان، و صارت الدّنيا كأنها عروس غنيّة منعّمة، رعناء[3]
ذات جمال.
ذكر دخول الخريف
و إذا بلغت الشّمس آخر السّنبلة و أوّل الميزان استوى الليل و
النّهار مرة أخرى، و أخذ الليل في الزّيادة على النّهار، و انصرف الصيف و دخل
الخريف، و برد الهواء و هبّت ريح الشّمال، و تغيّر الزّمان، و جفّت الأنهار و غارت
العيون، و اصفرّ ورق الأشجار، و صرمت الثّمار[4]،
و ديست البيادر و أحرز الحبّ، و فني العشب، و اغبرّ وجه الأرض، و هزلت البهائم، و
ماتت الهوامّ[5] و انحجزت
الحشرات، و انصرف الطير و الوحش يطلب البلدان الدّفئة، و أخذ الناس يحرزون القوت
للشتاء، و صارت الدّنيا كأنها كهلة مدبرة قد تولّت عنها أيام الشباب.
[1] -الريف: الارض التي فيها الخضر و المياه و الزروع.