صنائع شتى، و لا يمكن الانسان الواحد ان
يبلغها كلها، لأن العمر قصير، و الصنائع كثيرة، فمن أجل هذا اجتمع في كلّ مدينة أو
قرية أناس كثيرون لمعاونة بعضهم بعضا. و قد اوجبت الحكمة الالهيّة و العناية
الرّبانية بان يشتغل جماعة منهم بإحكام الصنائع، و جماعة في التجارات، و جماعة
بإحكام البنيان، و جماعة بتدبير السياسات، و جماعة بإحكام العلوم و تعليمها، و
جماعة بالخدمة للجميع و السعي في حوائجهم، لان مثلهم في ذلك كمثل اخوة من أب واحد
في منزل واحد، متعاونين في أمر معيشتهم، كلّ منهم في وجه منها. فأما ما اصطلحوا
عليه من الكيل و الوزن و الثمن و الأجرة، فان ذلك حكمة و سياسة ليكون حثّا لهم على
الاجتهاد في أعمالهم و صنائعهم و معاوناتهم، حتى يستحق كلّ انسان من الأجرة بحسب
اجتهاده في العمل و نشاطه في الصنائع.
و اعلم يا أخي، أيدك اللّه و ايانا بروح منه، أنه ينبغي لك ان تتيقن
بأنك لا تقدر ان تنجو وحدك مما وقعت فيه من محنة هذه الدنيا و آفاتها بالجناية
التي كانت من أبينا آدم، 7، لانك محتاج في نجاتك و تخلّصك من هذه الدنيا
التي هي عالم الكون و الفساد، و من عذاب جهنم و جوار الشياطين و جنود إبليس أجمعين
و الصّعود إلى عالم الأفلاك و سعة السّماوات و مسكن العلّيين و جوار ملائكة الرحمن
المقربين، إلى معاونة إخوان لك نصحاء و أصدقاء لك فضلاء متبصّرين بأمر الدين علماء
بحقائق الأمور ليعرّفوك طرائق الآخرة و كيفية الوصول إليها، و النجاة من الورطة
التي وقعنا فيها كلّنا بجناية أبينا آدم، 7. فاعتبر بحديث الحمامة
المطوّقة المذكورة في كتاب «كليلة و دمنة» و كيف نجت من الشّبكة لتعلم حقيقة ما
قبلنا.
و اعلم أن الحكماء إذا ضربوا مثلا لأمور الدنيا، فإنما غرضهم منه
أمور الآخرة و الإشارة اليها بضروب الأمثال بحسب ما تحتمل عقول الناس في كلّ مكان
و زمان.