فإذا ينبغي لصاحب العقل
الصحيح و القريحة[1] الصافية أن
يجالس أهل العلم و الخير و الصلاح و الدين و العفاف ليتزيا[2] بأفعالهم و يتخلق بأخلاقهم و يجانب
أهل الشر و الفساد الذين ميلهم إلى الدنيا و لذاتها لئلا يميل طبعه إلى أفعالهم
فيهلك
باب تهذيب الأخلاق
ينبغي للإنسان أن يهذب
أخلاقه و يعالجها كما أن المريض ينبغي له أن يعالج بدنه و صحته فلا يعالج كل شيء
إلا بضده فعلاج الحار بالبارد و البارد بالحار و اليابس بالرطب و الرطب باليابس
فهكذا أمراض الأخلاق يعالج مرض الجهل بالعلم و مرض البخل بالسخاء و مرض الكبر
بالتواضع و مرض الشره بالكف عن المشتهيات تكلفا و كما أنه لا بد من احتمال مرارة
الدواء و شدة الصبر عن المشتهيات بعلاج الأبدان المريضة فلا بد من احتمال مرارة
المجاهدة بالصبر على العبادة لمداواة مرض القلب بل ذلك أولى فإن مرض البدن يخلص
منه بالموت و مرض القلب العياذ بالله عذاب يدوم بعد الموت أبد الآباد و أصل تهذيب
النفس أن يقف الإنسان على عيوب نفسه فمن كملت بصيرته لم تخف عليه عيوبه فإذا عرف
العيوب أمكنه الخروج منها و أكثر الخلق جاهلون بعيوب أنفسهم يرون القذى[3] في عين
غيرهم. و لا يرون الجذع[4] في
[1] يقال: لفلان قريحة أي ملكة يقدر بها على
استنباط العلم بجودة الطبع.
[2] الزى بالكسر الهيئة و تزيى الرجل بزى القوم:
لبس كما يلبسون و في بعض النسخ[ ليتربى].
[3] القذى: ما يقع في العين او الشراب من تبنة و
نحوها.