و لذلك كره الأنبياء و
الأوصياء و الصالحون الموت فإن الدنيا مزرعة الآخرة و كلما كانت العبادات أكثر
بطول العمر كان الثواب أجزل و النفس أزكى و أنمى مقصود العبادات تأكد تأثيرها
فإنما تأثيرها بكثرة المواظبة على العبادات و غاية هذه الأخلاق أن ينقلع عن النفس
حب الدنيا و يترسخ فيها حب الآخرة فلا يكون شيء أحب إليه من لقاء الله فلا يستعمل
جميع ماله و آلاته إلا على الوجه الذي يوصله إلى رضاه و يحب أن يوطن نفسه على ألم
العبادة و مضضها حتى يصير ذلك له خلقا و سجية و يكون عنده آثر من النوم و الراحة
لما يعلم و يتحقق عنده من جنى ثمرة ذلك فإن المقامر يجد للقمار لذة مع سلبه ماله و
تركه مفلسا و مع هذا فهو يحبه و يلتذ به و ذلك لطول إلفه له و رده نفسه إليه و
كذلك اللاعب بالحمام يقف طول نهاره في الشمس قائما على رجليه و هو لا يحس بألمه
لفرحه بالطيور و حركاتها و طيرانها بل يرى العيار الفاجر يفتخر بما يلقاه من أليم
الضرب و القطع على السياط و على أن يتقدم به إلى الصلب و هو مع ذلك متبجح و يقويه
في الصبر أن يرى ذلك فخرا لنفسه حتى يقطع الواحد منهم إربا إربا على أن يقر بما
تعاطاه أو تعاطى غيره فيصبر على ذلك و لا يبالي بالعقوبات فرحا بما يعتقده رجلة و
شجاعة فقد صارت أحواله مع ما فيه من النكال قرة عينه و سبب افتخاره على أهل صناعته
حتى يخرج من الحجامين و الكناسين التفاخر و المباهاة كما يجري بين الملوك و
العلماء و كل ذلك نتيجة العادة و المواظبة على نمط واحد على الدوام مدة مديدة فإذا
كانت النفس بالعادة تستلذ الباطل و تميل إلى القبائح فكيف لا تستلذ الحق لو ردت
إليه مدة مديدة و ألزمت المواظبة عليه بل ميل النفس إلى هذه الأمور الشنيعة خارج
عن الطبع يضاهي الميل الطبيعي كالميل إلى أكل الطين و قد يغلب على بعض الناس بالعادة
فأما ميله إلى الحكمة و حب الله تعالى و معرفته و عبادته و معرفة نبيه و الأئمة ع
فهو كالميل إلى الطعام و الشراب فهو يقتضي طبع القلب
نام کتاب : مجموعة ورّام (تنبيه الخواطر و نزهة النواظر) نویسنده : ورّام بن أبي فراس جلد : 1 صفحه : 92