بِبَاقٍ وَ شِقْوَةً بِسَعَادَةٍ أَ لَا تَرَوْنَ أَنَّكُمْ فِي أَسْلَافِ الْهَالِكِينَ وَ سَيَخْلُفُ بَعْدَكُمْ الْبَاقُونَ أَ لَا تَرَوْنَ أَنَّكُمْ كُلَّ يَوْمٍ تُشَيِّعُونَ غَادِياً وَ رَائِحاً إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ قَدْ قَضَى نَحْبَهُ وَ انْقَطَعَ أَمَلُهُ فَتَضَعُونَهُ فِي بَطْنِ صَدْعٍ مِنَ الْأَرْضِ غَيْرَ مُوَسَّدٍ وَ لَا مُمَهَّدٍ قَدْ خَلَعَ الْأَسْلَابَ[1] وَ فَارَغَ الْأَحْبَابَ وَ وَاجَهَ الْحِسَابَ وَ ايْمُ اللَّهِ إِنِّي لَا أَقُولُ مَقَالَتِي هَذِهِ وَ أَعْلَمُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنَ الذُّنُوبِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ نَفْسِي وَ لَكِنَّهَا سُنَنٌ مِنَ اللَّهِ عَادِلَةٌ أَمَرَ فِيهَا بِطَاعَتِهِ وَ نَهَى فِيهَا عَنْ مَعْصِيَتِهِ وَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَ لَكُمْ وَ وَضَعَ كُمَّهُ عَلَى وَجْهِهِ وَ بَكَى حَتَّى بَلَّتْ دُمُوعُهُ لِحْيَتَهُ وَ مَا عَادَ إِلَى مَجْلِسِهِ حَتَّى مَاتَ.
وَ قَالَ بَعْضُهُمْ مَنْ خَافَ الْوَعِيدَ قَصَرَ عَلَيْهِ الْبَعِيدُ وَ مَنْ طَالَ أَمَلُهُ ضَعُفَ عَمَلُهُ وَ كُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ وَ اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَشْغَلُكَ عَنْ رَبِّكَ فَهُوَ عَلَيْكَ مَشُومٌ وَ اعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الدُّنْيَا جَمِيعاً مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ إِنَّمَا يَنْدُمُونَ عَلَى مَا يُخَلِّفُونَ وَ يَفْرَحُونَ بِمَا يُقَدِّمُونَ فَمَا نَدِمَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْقُبُورِ أَهْلُ الدُّنْيَا عَلَيْهِ يَقْتُلُونَ وَ فِيهِ يَتَنَافَسُونَ.
وَ قَالَ بَعْضُهُمْ كَمْ مِنْ عَامِرٍ مُونِقٍ عَمَّا قَلِيلٍ يَخْرَبُ وَ كَمْ مِنْ مُقِيمٍ مُغْتَبِطٍ عَمَّا قَلِيلٍ يَظْعَنُ فَأَحْسِنُوا الرِّحْلَةَ بِأَحْسَنِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ الثَّقَلَةِ وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى إِنَّمَا الدُّنْيَا كَفَيْءِ ظِلَالٍ قَلَصَ[2] فَذَهَبَ بَيْنَمَا ابْنُ آدَمَ فِي الدُّنْيَا يُنَافِسُ وَ هُوَ بِهَا قَرِيرُ عَيْنٍ إِذْ دَعَاهُ اللَّهُ لِمَوْتِهِ وَ رَمَاهُ بِيَوْمِ حَتْفِهِ فَسَلَبَهُ آثَارَهُ وَ دُنْيَاهُ وَ صَيَّرَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ مَصَانِعَهُ
و معناه أن الدنيا لا تسر بقدر ما تضر أنها تسر قليلا و تحزن طويلا.
وَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ- أَيْنَ الْوَضَاةُ[3] الْوَضَأَةُ الْحَسَنَةُ وُجُوهُهُمُ الْمُعْجَبُونَ بِشَبَابِهِمْ أَيْنَ الْمُلُوكُ الَّذِينَ بَنَوُا الْمَدَائِنَ وَ حَصَّنُوهَا ضَعْضَعَ[4] بِهِمُ الدَّهْرُ فَأَصْبَحُوا فِي ظُلُمَاتِ الْقُبُورِ الْوَحَا الْوَحَا[5] ثُمَّ النَّجَا النَّجَا
[1] الاسلاب: جمع سلب وزان فرس و هو ما يسلب.
[2] قلص قلوصا من باب ضرب: وثب.
[3] الواضى: النظيف الحسن. و الوضاة جمعه كالقاضي و القضاة.
[4] تضعضع به الدهر: اذله.
[5] الوحا بالمد و القصر: السرعة. النجا بالمد و القصر: الخلاص و بالمد: السرعة.