أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ سَاعَةَ الْمَوْتِ ذَاتُ كُرَبٍ وَ غُصَصٍ وَ نَدَامَةٍ عَلَى التَّفْرِيطِ ثُمَّ يَقُولُ رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً نَظَرَ لِنَفْسِهِ قَبْلَ نُزُولِ الْمَوْتِ
وَ رُوِيَ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ كَانَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِذَا أُتِيَ بِحَجَرٍ مَنْقُورٍ فَطَلَبَ مَنْ يَقْرَؤُهُ فَأُتِيَ بِوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ رَأَيْتَ قُرْبَ مَا بَقِيَ مِنْ أَجَلِكَ لَزَهِدْتَ فِي طُولِ أَمَلِكَ وَ لَرَغِبْتَ فِي الزِّيَادَةِ مِنْ عَمَلِكَ وَ لَقَصَّرْتَ مِنْ حِرْصِكَ وَ حِيَلِكَ وَ إِنَّمَا يَلْقَاكَ غَداً نَدَمُكَ لَوْ زَلَّتْ بِكَ قَدَمُكَ وَ أَسْلَمَكَ أَهْلُكَ وَ حَشَمُكَ وَ يُفَارِقُكَ الْوَلَدُ الْقَرِيبُ وَ يَرْفُضُكَ الْوَالِدُ وَ النَّسِيبُ فَلَا أَنْتَ إِلَى دُنْيَاكَ عَائِدٌ وَ لَا فِي حَسَنَاتِكَ زَائِدٌ فَاعْمَلْ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ قَبْلَ الْحَسْرَةِ وَ النَّدَامَةِ فَبَكَى سُلَيْمَانُ بُكَاءً شَدِيداً.
وَ كَتَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَخٍ لَهُ سَلَامٌ عَلَيْكَ فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُحَذِّرُكَ مُتَحَوَّلَكَ مِنْ دَارِ مُهْلَتِكَ إِلَى دَارِ إِقَامَتِكَ وَ جَزَاءِ أَعْمَالِكَ فَتَصِيرُ فِي قَرَارِ بَاطِنِ الْأَرْضِ بَعْدَ ظَاهِرِهَا فَيَأْتِيكَ مُنْكَرٌ وَ نَكِيرٌ فَيُقْعِدَانِكَ فَإِنْ يَكُنِ اللَّهُ مَعَكَ فَلَا بَأْسَ وَ لَا وَحْشَةَ وَ لَا فَاقَةَ وَ إِنْ يَكُنْ غَيْرَ ذَلِكَ فَأَعَاذَنِيَ اللَّهُ وَ إِيَّاكَ مِنْ سُوءِ مَصْرَعٍ وَ ضِيقِ مَضْجَعٍ ثُمَّ يَبْلُغُكَ صَيْحَةُ الْحَشْرِ وَ نَفْخُ الصُّورِ وَ قِيَامُ الْجَبَّارِ لِفَصْلِ قَضَاءِ الْخَلَائِقِ وَ خَلَا الْأَرْضُ مِنْ أَهْلِهَا وَ السَّمَاوَاتُ مِنْ سُكَّانِهَا فَبَاحَتِ الْأَسْرَارُ[1] وَ سُعِّرَتِ النِّيرَانُ وَ وُضِعَتِ الْمَوَازِينُ وَ جِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَ الشُّهَداءِ وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِ وَ قِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فَكَمْ مِنْ مُفْتَضَحٍ وَ مَسْتُورٍ وَ كَمْ مِنْ هَالِكٍ وَ نَاجٍ وَ كَمْ مِنْ مُعَذَّبٍ وَ مَرْحُومٍ فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَا حَالِي وَ حَالُكَ يَوْمَئِذٍ فَفِي هَذَا مَا يَهْدِمُ اللَّذَّاتِ وَ يُسَلِّي عَنِ الشَّهَوَاتِ وَ قَصَّرَ عَنِ الْأَمَلِ وَ أَيْقَظَ النَّائِمِينَ وَ حَذَّرَ الْغَافِلِينَ أَعَانَنَا اللَّهُ وَ إِيَّاكَ عَلَى هَذَا الْخَطَرِ الْعَظِيمِ وَ أَوْقَعَ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةَ فِي قَلْبِي وَ قَلْبِكَ مَوْقِعَهُمَا مِنْ قُلُوبِ الْمُتَّقِينَ.
وَ خَطَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ لَنْ تُخْلَقُوا عَبَثاً وَ لَمْ تُتْرَكُوا سُدًى وَ إِنَّ لَكُمْ مَعَاداً يَجْمَعُكُمُ اللَّهُ فِيهِ لِلْحُكْمِ وَ الْفَصْلِ فِيمَا بَيْنَكُمْ فَخَابَ وَ شَقِيَ عَبْدٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنْ رَحْمَتِهِ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ وَ جَنَّتِهِ الَّتِي عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ إِنَّمَا يَكُونُ الْأَمَانُ غَداً لِمَنْ خَافَ وَ اتَّقَى وَ بَاعَ قَلِيلًا بِكَثِيرٍ وَ فَانِياً
[1] باحت الاسرار اي فشت و ظهرت.