نام کتاب : مجموعة ورّام (تنبيه الخواطر و نزهة النواظر) نویسنده : ورّام بن أبي فراس جلد : 1 صفحه : 184
فإن الجاه وسيلة إلى الأغراض كالمال فلا فرق بينهما إلا أن
التحقيق في هذا يقتضي أن لا يكون المال و الجاه في أعيانهما محبوبين بل ينزل ذلك
منزلة حب الإنسان أن يكون في داره بيت ماء لأنه يضطر إليه لقضاء حاجته و يود لو
استغنى عن قضاء الحاجة حتى يستغني عن بيت الماء و هذا على التحقيق ليس بمحب لبيت
الماء و كلما يراد التوسل به إلى محبوب فالمحبوب المقصود لا المتوسل به[1]. اعلم أن
أكثر الخلق إنما هلكوا لخوف مذمة الناس و حب مدحهم فصارت حركاتهم و سكناتهم كلها
موقوفة على ما يوافق رضا الناس رجاء للمدح و خوفا من الذم و ذلك من المهلكات فلا
ينبغي للإنسان أن يفرح بمدح المادح بل يعرض ذلك على نفسه و عقله و ينصف من نفسه
فإن كان يوافق لما يقال فيه فيشكر الله تعالى و يكون فرحه بفضل الله تعالى عليه و
ما من به عليه من الألطاف و الحسنى و لا يسكن نفسه إلى ذلك المدح بل يزرى عليها
طلبا للزيادة فيما آتاه الله و إن كان خاليا من ذلك ففرحه بالمدح غاية الجنون و
يكون مثاله مثال من يهزأ به إنسان و يقول سبحان الله ما أكثر العطر الذي في أحشائه
و ما أطيب الروائح التي تفوح منه إذا قضى حاجته و هو يعلم ما يشتمل عليه أمعاؤه من
الأقذار و الأنتان ثم يفرح به فكذلك إذا أثنوا عليكم بالصلاح و الورع ففرحت به و
الله مطلع على خبائث باطنك و غوائل سريرتك كان ذلك من غاية الجهل فإذا المادح إن
صدق فليكن فرحك بصفتك التي هي من فضل الله عليك و إن كذب فينبغي أن يغمك ذلك و لا
تفرح به. و يجب أن تعلم أن طلب المنزلة في قلوب الناس و فرحك بها يسقط منزلتك عند
الله فكيف تفرح به بل ينبغي أن يغمك مدح المادح و تكرهه و تغضب به فإنه قيل إن من
فرح بمدح المادح فقد أمكن الشيطان من أن يدخل في بطنه. و قال بعضهم إذا قيل لك نعم
الرجل أنت فكان أحب إليك من أن يقال بئس الرجل أنت فأنت و الله بئس الرجل. و من
ذمك لا يخلو من ثلاثة أحوال إما أن يكون قد صدق فيما قال و قصد النصح