فجعل الملك على نفسه
بهذه الطريق امتحانا و شدة و لهذا زوى الله تعالى عن نبينا ص الدنيا فكان يطوي
أياما و كان يشد الحجر على بطنه من الجوع و لهذا سلط الله تعالى البلاء و المحن
على الأنبياء و الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل كل ذلك نظرا لهم و امتنانا[2] عليهم ليوفر
في الآخرة حظهم كما يمنع الوالد الشفيق ولده لذة الفواكه و الأطعمة و يلزمه ألم
الفصد و الحجامة شفقة منه عليه و حبا له لا بخلا عليه فما يؤخذ من الدنيا من هذه
الأسباب بقدر الحاجة و القصد به الاستعانة على التقوى و الطاعة فهو لله معناه و إن
كانت صورته صورة الدنيا و جميع ما يؤخذ من الدنيا و يقصد به اللذة و المفاخرة و
المكاثرة فليس لله إلا الدنيا[3] و ما أخذ
على وجه التقوى و الطاعة فهو لله.
فانظر إلى قول الله
تعالى وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى و مجامع الهوى
خمسة أمور و هي ما جمعه الله تعالى في قوله أَنَّمَا الْحَياةُ
الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكاثُرٌ فِي
الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ[4] فهذه بينها
الله تعالى إنها للدنيا و الذي هو لله تعالى فهو قدر الضرورة و ما لا بد منه من
مسكن و ملبس و مطعم و مشرب و الحزم في الحذر و التقوى و أخذ هذه الأسباب بقدر
الحاجة اقتداء بالأنبياء و الأولياء إذ كانوا يردون أنفسهم إلى حد الضرورة كما