ضرورة امتناع التوجّه إلى تحصيل ما هو حاصل، و إنّما[1] التوجّه بعد ذلك إلى الثبات،
بخلاف مجامعة عدمه لمقابلها؛ فإنّها متحقّقة مستمرّة باستمراره.
و لا يجوز أن
يراد لزوم ترتّبه عليها؛ للزوم كون السالك المقبل بقلبه و قالبه على سلوك طريق من
شأنه حصول الوصول بسلوكه، إذا تخلّف وصوله لأمر خارجيّ، كحلول أجله- مثلا- و لم
يحصل منه تقصير و لا توان[2]
ضالّا؛ إذ لا واسطة بين الهداية و الضلالة.
و منها: أنّه
يقال في المدح: «مهديّ» كما يقال: «مهتد»، و لا مدح إلّا بالوصول إلى الكمال.
و خدش بأنّ
الاستعداد للكمال و الوصول إليه بالقوّة القريبة من الفعل مزيّة يستحقّ المدح
عليها؛ و كون التمكّن مع عدم الوصول نقيصة يستحقّ الذمّ عليها إنّما هو مع ترك
الوصول بالاختيار، لا لاخترام[3]
المنيّة و نحوها، كما قلناه الآن.
و بأنّ المهديّ
يراد به- بقرينة مقام المدح- المنتفع بالهدى مجازا؛ و كون الأصل في الإطلاق الحقيقة
إنّما يجدي عند الاستعمال بلا قرينة.
و منها: أنّ
«اهتدى» مطاوع «هدى»، يقال: «هديته فاهتدى». و المطاوعة حصول الأثر في المفعول
بسبب تعلّق الفعل المتعدّي به؛ فلا يكون المطاوع مخالفا لأصله إلّا في التأثّر و
التأثير؛ ففي المنكسر حالة يسمّى قبولها انكسارا، و تحصيلها كسرا، فلو لم يكن في
الهداية إيصال، لم يكن في الاهتداء وصول.
و لا يرد
«أمرته فلم يأتمر» و «علّمته فلم يتعلّم»؛ لأنّ حقيقة الايتمار صيرورته مأمورا، و
هو بهذا المعنى مطاوع للأمر، ثمّ استعمل في الامتثال مجازا، حتّى صار
[1]. في هامش« د»:« دفع لما يتوهّم من أنّه حينئذ لا
معنى لطلب الهداية هنا؛ فإنّه ليس إلّا تحصيل حاصل، فأجاب بقوله:« إنّما ... الخ».
و الحاصل أنّ اهْدِنَا هنا بمعنى ثبّتنا».
[2]. في هامش« د»:« هذا إذا لم يعتبر عدم المانع في تلك
اللزوم؛ و أمّا مع اعتباره فلا لزوم. فتدبّر».
[3].« اخترمته المنيّة: أخذته، و اخترم فلان عنّا: مات و
ذهب»(« لسان العرب» ج 12، ص 172،« خرم»).