خاتمة في مجمل احوال
مؤلف هذا الكتاب و هو نعمة اللّه الحسيني الجزائري
اعلم اطال
اللّه بقاك انّ مولد الفقير هو سنة خمسين بعد الألف و سنة تأليف هذا الكتاب هي
السنة التاسعة و الثمانون بعد الألف فهذا العمر القليل قد مضى منه تسعة و ثلاثون
سنة فانظر ما اصاب صاحبه من المصائب و الأهوال، و مجمع الأحوال هو انه لمّا مضى من
ايّام الولادة خمس سنين و كنت مشعوفا باللّه و اللعب الذي يتداوله الأطفال فكنت
جالسا يوما مع صاحب لي و نحن في بعض لعب الصبيان اذ اقبل الى المرحوم والدي، فقال
لي: يا نبي امض معي الى المعلّم و تعلم الخط و الكتابة حتّى تبلغ درجة الأعلام،
فبكيت من هذا الكلام و قلت هذا شيء لا يكون فقال ليكانّ صاحبك هذا نأخذه معنا و
يكون معك يقرأ عند المعلم، فأتى بنا الى المكتب و أجلسنا فيه فقرأت انا و صاحبي
حروف الهجاء، فأتيت اليوم الآخر الى والدتي و قلت لها ما أريد المكتب بل اريد
اللعب مع الصبيان، فحدثت والدي فما قبل منها فأيست من قبوله، فقلت ينبغي ام اجعل
جدّي و جهدي في الفراغ من قراءة المكتب، فما مضت ايّام قلائل حتّى ختمت القرآن و
قرأت كثيرا من القصائد و الأشعار في ذلك الوقت و قد بلغ العمر خمس سنين و ستّة
اشهر.
فلمّا فرغت من
قراءة القرآن جئت الى والدتي و طلبت منها اللعب مع الصبيان فاقبل الي والدي تغمده
اللّه برحمته و قال لي: يا ولدي خذ كتاب الأمثلة و امض معي الى رجل يدرسك فيها
فبكيت فاراد اهانتي و اخذني الى رجل عمي لكنه كان قد احكم معرفة الأمثلة و
البصروية و بعض الزنجاني فكان يدوسني و كنت اقوده بالعصا و اخدمه و بالغت في خدمته
لأجل التدريس، فلمّا قرأت الأمثلة و البصروية أردت قراءة الزنجاني انتقلت الى رجل
سيد من اقاربنا كان يحسن الزنجاني و الكافية، فقرأت عليه و في مدة فراءتي عنده كان
يأخذني معه كل يوم الى بستانه و يعطيني منجلا و يقول لي: يا ولدي حشّ هذا الحشيش
لبهائمنا فكنت احشّ له و هو جالس يتلو على صيغ الصرف و الأعلال و الأدغام فاذا
فرغت شددت الحشيش حزمة كبيرة و حملته على رأسي الى بيته و كان يقول لي لا تخبر
أهلك بهذا، فلمّا مضى فصل الحشيش و أقبل فصل رود الأبريسم فكنت كل يوم احمل له
حزمة من خشب التوت حتّى صار رأسي اقرعا فقال لي والدي ره: ما لرأسك فقلت: لا اعلم
فداواني حتّى رجع شعر رأسي الى حالته.
فلمّا فرغت من
قراءة الزنجاني و اردت قراءة الكافية قصدت الى قرية تسمّى كارون و نحن في قرية
يقال لها: الصباغية في شطّ المدك، فقرأت في تلك القرية عند رجل فاضل و أقمت عندهم،
فكنت يوما في المسجد فدخل علينا رجل ابيض الثياب عليه عمامة كبيرة كأنها قبّة
صغيرة و هو يرى