نام کتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم نویسنده : ابن عجيبة جلد : 1 صفحه : 585
الباب الحادي و الثلاثون
364- إلهي هذا ذلي ظاهر بين يديك، و هذا حالي لا يخفي عليك، منك
أطلب الوصول إليك، و بك أستدل عليك لا بغيرك، فاهدني بنورك إليك، و أقمني بصدق
العبودية بين يديك.
قلت: هذا اعتراف منه رضي اللّه تعالى عنه بغاية الذل و الانكسار، و
إظهار لشدة الفاقة و الاضطرار، و انطراح على باب مولاه في إظهار ذله و بث شكواه،
فلا شك أن اللّه سبحانه قد كساه حلة العز و الافتخار، و بهاه بين خلقه بالظهور و
الاشتهار، حتى صار كلامه تتحلى به القلوب و الأسماع، و يعظم به التأثير و
الانتفاع، و ذلك ثمرة من تذلل بين يدي العزيز الحكيم الغني الكريم، كما قيل:
تذلّل
لمن تهوى لتكسب عزّة
فكم
عزّة قد نالها المرء بالذّلّ
و قال آخر:
تذلّل
لمن تهوى فليس الهوى سهل
إذا
رضي المحبوب صحّ لك الوصل
تذلّل
له تحظى برؤيا جماله
ففي
وجه من تهوى الفرائض و النّفل
قال ذو النون المصري رضي اللّه تعالى عنه: ما أعز اللّه عبدا بعز هو
أعز له من أن يدله على ذل نفسه، و ما أذل اللّه عبدا بذل هو أذل له من أن يحجبه عن
ذل نفسه انتهى. و الحال الذي لا يخفي على مولاه هو حال الضعف و الافتقار و الذل و
الانكسار، و إنما يكون ظهور ذلك الحال بتحقيق المعرفة و الوصال، و لذلك وصله
بقوله: منك أطلب الوصول إليك لا من غيرك و لا على يد غيرك و لا إلى غيرك، بل أنت
تتولى قبض أرواحنا إلى حضرتك بيدك، و تحول بيننا و بين غيرك، و هو معنى قوله: و بك
أستدل عليك لا بغيرك، إذ لا وجود لغيرك معك على التحقيق، و قد تقدم قول من قيل له:
بم عرفت ربك؟ قال: عرفت ربي بربي، و لو لا ربي ما عرفت ربي.
نام کتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم نویسنده : ابن عجيبة جلد : 1 صفحه : 585