نام کتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم نویسنده : ابن عجيبة جلد : 1 صفحه : 458
فمن حكمة اللّه تعالى و لطفه و إبراره بوليه
أن يحرك عليه ما ركنت إليه نفسه و ألفته روحه الأحب فالأحب، فأول من ينكره أهله و
أولاده، ثم جيرانه و أحبابه، ثم ينكره العالم بأسره، فإذا رأت الروح أن هذا العالم
أنكرها و ضاق عليها رحلت إلى مولاها، و لم يبق لها تشوف إلى هذا العالم أصلا،
فحينئذ يكمل وصلها و يتحقق فناؤها و بقاؤها، فلو بقيت النفس على ما هي عليه من
السكون تحت ظل الجاه و العز ما رحلت من هذا العالم أصلا، و كلما قوي على الأولياء
الأذى دل على علو مقامهم عند المولى، فإنما أجرى الحق سبحانه الأذى على أيدي الخلق
إليك، إذ هو المجري و المنشئ، فلا فاعل غيره كي لا تكون ساكنا بقلبك و روحك إليهم،
فيعوقك ذلك عن العروج إلى الملكوت. أراد الحق تعالى أن يزعجك عن كل شيء من هذا
العالم حتى لا تركن إلى شيء و لا يشغلك عن شهوده شيء، إذ محال أن تشهده و تشهد
معه سواه، أو تحبه و تحب معه سواه، أبت المحبة أن تشهد غير محبوبها، فإذا تمكنت
المحبة و كمل الشهود ردهم إن شاء إلى عباده مرشدين إليهم باللّه. قال في لطائف
المنن: اعلم أن أولياء اللّه تعالى حكمهم في بدايتهم أن يسلط الخلق عليهم،
ليتطهروا من البقايا و تكمل فيهم المزايا، و كي لا يساكنوا هذا الخلق باعتماد، أو
يميلوا إليهم باستناد، و من آذاك فقد أعتقك من رق إحسانه، و من أحسن إليك فقد
استرقك وجود امتنانه، و لذلك قال صلى اللّه عليه و آله و سلم:
«من أسدى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تقدروا فادعوا له[1]»، كل ذلك ليتخلص القلب من رق إحسان
الخلق، و يتعلق بالملك الحق، ثم قال: و قال الشيخ أبو الحسن: اهرب من خير الناس
أكثر من أن تهرب من شرهم، فإن خيرهم يصيبك في قلبك و شرهم يصيبك في بدنك، و لأن
تصاب في بدنك خير من أن تصاب في قلبك، و لعدو تصل به إلى اللّه خير من حبيب يقطعك
عن اللّه، و عدّ إقبالهم عليك ليلا و إدبارهم عنك نهارا، ألا تراهم إذا أقبلوا
فتنوا. قال: و تسليط الخلق على أولياء اللّه في مبدإ طريقهم سنة اللّه في أحبائه و
أصفيائه. قال الشيخ أبو الحسن في حزبه: (اللهم إن القوم قد حكمت عليهم بالذل حتى
عزوا، و حكمت عليهم بالفقد حتى
[1] - رواه أبو داود( 2/ 128)، و النسائي( 5/ 82)، و
أحمد في المسند( 2/ 68)، بلفظ: من صنع.
نام کتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم نویسنده : ابن عجيبة جلد : 1 صفحه : 458