(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
كثرة أدبهم مع من علمهم سورة أو آية من القرآن و هم أطفال فلم يزل أحدهم يتأدب مع
من علمه السورة أو الآية أو الباب من العلم حتى إنه لا يقدر يمر عليه راكبا و لا
يتزوج له مطلقة و لو صار من مشايخ الإسلام أو من مشايخ الطريق، و من جملة أدبهم
معه أيضا افتقاده بالهدايا و الكسوة له و لعياله و من يلوذ به إكراما له.
و كذلك من أخلاقهم عدم البخل على الفقيه الذي يعلم أطفالهم القرآن، و
لا يستكثرون عليه شيئا يعطونه له من الدنيا، و قد حكي عن ابن أبي زيد القيرواني
صاحب الرسالة رحمه اللّه تعالى أن أعطى فقيه ولده لما علمه حزبا من القرآن مائة
دينار، فقال له الفقيه: أنا يا سيدي ما عملت شيئا أستحق به هذا كله، قلت فحول
الشيخ ولده من عنده إلى فقيه آخر، و قال هذا رجل مستهين بالقرآن.
(قلت): و قد عملت أنا بهذا الخلق بحمد اللّه تعالى مع فقيهي الشيخ
حسن الحلبي رحمه اللّه تعالى فكنت أكسوه مع أولاده إلى أن مات، و لم أر أنني قمت
بواجب حقه رحمه اللّه تعالى، و قد كنت مارا يوما مع الشيخ شمس الدين الدمياطي رحمه
اللّه تعالى في سنة ثمان عشر و تسعمائة فرأى الشيخ رجلا أعمى تقوده ابنته فنزل
الشيخ من على دابته و قبل يده و ماشاه طويلا فلما رجع سألته عنه، فقال: هذا رجل
قرأت عليه و أنا صبي شيئا من القرآن فلا أقدر أمر عليه و أنا راكب، مع أن الشيخ
شمس الدين المذكور كان قد أعطى من الجاه و الاعتقاد و العلم و الصلاح عند الملوك
فمن دونهم ما لم نر أحدا أعطى مثله من أقرانه. حتى أني رأيته بين القصرين يوما و
الناس يزدحمون عليه لتقبيل يديه، و من لم يصل إليه نشر ردائه و حذفه عليه حتى يصيب
من ثياب الشيخ ثم يصير يقبل ذلك الرداء كما يفعل الناس ذلك بكسوة الكعبة حين تمر
عليهم بالقاهرة، فرضى اللّه تعالى عن أهل الأدب، فاعلم ذلك و اقتد بهم و الحمد
للّه رب العالمين.
النوافل
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
عدم شهودهم في نفوسهم أن لهم نوافل من العبادات و لو قاموا حتى تورمت أقدامهم، و
إنما يرون ذلك كالجابر لبعض النقص الحاصل