فيقول أحدهم اللهم اغفر لحاسدينا فإنهم لما
عندهم من الضيق لا يحتملون رؤية النعم التي علينا دونهم و لو اتسعت نفوسهم لم
يقعوا في حسدنا و هذا الخلق لا يكاد يتخلق به إلا قليل من الناس بل غالبهم يتمنى
لحاسده كل سوء و اللّه أعلم.
الإنصاف
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
إنصافهم لكل من سعى لهم عند الأكابر و الأمراء في تحصيل رزقه أو حوالي أو هدية و
نحو ذلك فيقاسمونه بالنصف أو الربع بقدر ما يرونه يرضيه لا سيما إن وصف أحدهم
بالصلاح و الزهد و الورع حتى أعطوه ما أعطوه فإن ذلك من باب النصب و التلبيس، فلا
ينبغي للشيخ أن يشح عليه بما يطلبه من ذلك لأنه معدود من كسب ذلك الناصب حقيقة
فالأولى له عدم أخذ شيء منه مطلقا إلا بطريق شرعي.
و قد كثر النصب في أهل هذا الزمان فصار أحدهم يوقف النقيب مثلا ينصب
له عند الأمراء أو مشايخ العرب ثم إذا أتاه به يختص به و لا يعطي النقيب الذي نصب
و تعب شيئا و ذلك حيف عظيم، و قد رأيت بعضهم رفع الشيخ إلى الحاكم و ذكر فيه العجر
و البجر حتى قال القاضي و جماعته للشيخ إنك يا رجل طماع عظيم.
فإياك يا أخي أن تظن في مشايخ العصور المتقدمة إنهم كانوا كذلك
فتسيء بهم الظن بل كانوا على جانب عظيم من الزهد و الورع فاعلم ذلك يا أخي، و
الحمد للّه رب العالمين.
العمل بالسنة
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
عملهم بالسنة إذا خطبوا امرأة فيرون منها الوجه و الكفين، قال بعضهم: و يكون ذلك
بغير شهوة لأنها ليست بمحل الاستمتاع بها الآن و لكن الجمهور على خلافه لأذن
الشارع له في النظر، و لا يتعلل أحدهم بالحياء فإن في ترك النظر مفاسد و حصول شرور
إذا لم تعجبه، ثم إذا رأى أحدهم المخطوبة لا يرى منها إلا بقدر الحاجة فإن علم من
نفسه الطغيان فلينظر دون القدر المأذون فيه و يفوض أمره إلى اللّه تعالى أو يأذن
لامرأة يثق بها تنظرها له بحكم النيابة فعلم أن من ترك النظر و تعلل بالحياء فهو
جاهل بالسنة جافي الطبع و إن حياءه الذي تعلل به طبيعي لا شرعي، و الحمد للّه رب
العالمين.