فأحبوا الصالحين و اتخذوا عندهم أيادي فإن
لهم دولة يوم القيامة و كان الحسن البصري رحمه اللّه تعالى يقول: مصارمة الفاسق
قربة إلى اللّه تعالى، (قلت): و مراده مصارمته بالقلب أما في الظاهر فلا تنبغي
مصارمته لأجل تقويم عوجه و تبغيضه في صفات الفسق، فإن الفاسق ضالة كل داع إلى
اللّه تعالى، فافهم ذلك و اللّه أعلم، و قد سئل سفيان الثوري رحمه اللّه تعالى هل
نعزي الفاسق إذا مات له ميت، قال: لا، و كان الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى يذكر
أبا بكر و عمر رضي اللّه عنهما و يبكي و يترحم على معاوية رضي اللّه عنه و يقول:
إنه كان من أكابر العلماء إلا أنه ابتلى بحب الدنيا انتهى.
(قلت): الذي ينبغي حمل حبه للدنيا على أنه يحبها لعمل الآخرة كما
عليه السلف الصالح بل هو أولى بقصد ذلك من الأولياء لأنه صحابي جليل رضي اللّه عنه
و اللّه أعلم، و كان الحسن البصري رحمه اللّه يقول من ادعى أنه يحب عبدا للّه
تعالى و لم يبغضه إذا عصى اللّه تعالى فقد كذب في دعواه أنه يحبه للّه، و كان محمد
بن الحنفية رضي اللّه عنه يقول من أحب رجلا من أهل النار لخير ظهر منه آجره اللّه
على ذلك، و من أبغض رجلا من أهل الجنة لشر ظهر منه آجره اللّه على ذلك، و قد كان
مالك بن دينار رحمه اللّه تعالى لا يطرد الكلب إذا جلس بحذائه و يقول هو خبر من
قرين السوء و كفى بالمرء شرا أن لا يكون صالحا و يقع في الصالحين.
و كان أحمد بن حرب رحمه اللّه تعالى يقول: ليس شيء أنفع لقلب العبد
من مخالطة الصالحين و النظر إلى أفعالهم، و ليس شيء أضر على القلب من مخالطة
الفاسقين و النظر إلى أفعالهم، و كان يحيى بن معاذ رحمه اللّه تعالى يقول: ولى
اللّه ريحان الأرض فإذا شمه المريدون و وصلت رائحته إلى قلوبهم اشتاقوا إلى ربهم
انتهى.
فتأمل يا أخي حالك هل أحببت أحدا للّه و أبغضته كذلك للّه تعالى، أم
أحببت بالهوى و أبغضت بالهوى، و ابك على نفسك و أكثر من الاستغفار ليلا و نهارا، و
الحمد للّه رب العالمين.
قلة الضحك
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
قلة الضحك و عدم الفرح بشيء من الدنيا بل كانوا ينقضبون بكل شيء حصل لهم من
ملابسها و مراكبها و مناكحها و مناصبها عكس ما عليه أبناء الدنيا، كل ذلك خوفا أن
يكون من جملة ما عجل لهم من نعيم الآخرة، و كيف يفرح بشيء من هو في السجن محبوس
عن لقاء اللّه عز و جل فكما يحزن