أطلب منك الحديث يا إمام، فقال له الإمام
أحمد: كيف تطلب الحديث و ليس لك تهجد في الليل اذهب من حيث جئت.
و كان الإمام الشافعي رضي اللّه عنه يقول: ينبغي للعالم أن يكون له
خبيئة من عمل صالح فيما بينه و بين اللّه تعالى، فإن كل ما ظهر للناس من علم أو
عمل قليل النفع في الآخرة و ما رأى أحد أحدا في منامه بعد موته و قال غفر اللّه لي
بعلمي إلا قليل من الناس، و قد رؤى الإمام أبو حنيفة رضي اللّه عنه بعد موته فقيل
له: كيف حالك؟ قال: غفر اللّه لي، قيل له: بالعلم، فقال هيهات إن للعلم شروطا و
آفات قل من ينجو منها، قال: و رأى بعضهم الجنيد بعد موته رحمه اللّه تعالى فقال
له: ما فعل اللّه بك؟ فقال: قد طاحت تلك الإشارات و فنيت تلك العبارات و ما نفعنا
إلا بعض ركيعات كنا نركعها في السحر، و قال: و رأى بعضهم أبا سهل الصعلوكي بعد
موته رحمه اللّه تعالى فقال له: ماذا صنع علمك؟ فقال: كل ما كان من دقائق العلوم
وجدته هباء منثورا إلا بعض مسائل سألني عنها العوام انتهى.
ففتش يا أخي نفسك في علمك و عملك و ابك على نفسك إن رأيت عندها رياء
أو سمعة مما ينهاك عنه هؤلاء السادة من العلماء العاملين المخلصين و الحمد للّه رب
العالمين.
الهجر
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
هجرهم لأخيهم إذا خالط الأمراء و تردد إلى أبوابهم لغير ضرورة شرعية و لا لمصلحة
كقيامه بالأمر بالمعروف و نحوه عملا بحديث [إن في جهنم واديا يقال له هيهب أعده
اللّه للجبارين و للقراء المداهنين الذين يدخلون على أمراء الجور].
و قد قال والي البصرة يوما لمالك بن دينار رحمه اللّه تعالى أتدري ما
الذي جرأك علينا في أغلاظك القول و عدم قدرتنا على مقابلتك عدم طمعك فيما بأيدينا
و زهدك فيه، و كان ابن السماك رحمه اللّه تعالى يقول دخلت يوما على والي البصرة
فقال لي: عظني يا ابن السماك فقلت له أف عليك و على من ولاك مظالم العباد، إنما
تصلحون أن يسد بكم الجسور، و قد دخل محمد بن واسع على قتيبة بن مسلم و عليه مدرعة
صوف، فقال له قتيبة: ما الذي دعاك إلى لبس مدرعة الصوف فسكت محمد فقال: ما لي
أكلمك و أنت ساكت فقال محمد: أن قلت زهدا زكيت نفسي و إن قلت فقرا شكوت ربي.
و كان الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى يقول: و اللّه و لو استأذن
عليّ هارون الرشيد ما أذنت له إلا أن أغلب على ذلك فكيف بمن يذهب هو إليه من هؤلاء
الفقراء، و قد جاء