هذا الزمان أكل الحرام و الشبهات حتى غرقوا
في شهوة بطونهم و فروجهم و اتخذوا علمهم شبكة يصطادون بها الدنيا.
و كان الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى يقول: لو لا نقص دخل على أهل
القرآن و الحديث لكانوا أخيار الناس و لكنهم اتخذوا علمهم حرفة و معاشا، و لذلك
هانوا في ملكوت السموات و الأرض و كان بشر الحافي رحمه اللّه تعالى يقول من عقل
العاقل أن لا يطلب زيادة العلم إلا إذا عمل بكل ما علم فيتعلم حينئذ العلم كي يعمل
به، و كان الشعبي رحمه اللّه تعالى يقول: اطلبوا العلم و أنتم تبكون فإنه كله حجة
عليكم عند ربكم، قال: و لما ترك بشر الحافي رحمه اللّه تعالى الجلوس لإملاء الحديث
قالوا له: ماذا تقول لربك يوم القيامة؟
فقال: أقول يا رب إنك أمرتني فيه بالإخلاص و لم أجد عند نفسي إخلاصا.
و كان سفيان الثوري رحمه اللّه تعالى يقول: إذا رأيتم طالب العلم
يطلب الزيادة من العلم دون العمل فلا تعلموه فإن من لم يعمل بعلمه كشجرة الحنظل
كلما ازداد ريا بالماء ازداد مرارة، و كان يقول و إذا رأيتموه يخلط في مطعمه و
مشربه و ملبسه و نحو ذلك و لا يتورع فكفوا عن تعليمه تخفيفا للحجة عليه غدا، و كان
الحسن البصري رحمه اللّه تعالى يقول: لو أن عبدا علم العلم كله و عبد اللّه حتى
صار كهذه السارية أو الشن البالي ثم إنه لم يفتش و لم يدخل في جوفه أحلال هو أم
حرام ما تقبل اللّه منه عبادة، و كان بشر الحافي رحمه اللّه تعالى يقول: و اللّه
لقد أدركنا أقواما كانوا لا يعلمون أحدا العلم حتى يروضوا نفسه سنين كثيرة و يظهر
لهم صلاح نيته، و كان عبد الرحمن بن القاسم رحمه اللّه تعالى يقوم خدمت الإمام
مالكا رضي اللّه عنه عشرين سنة فكان منها ثمانية عشر في تعليم الأدب و سنتان منها
في تعليم العلم، فياليتني جعلت المدة كلها في تعليم الأدب، و قد كان الإمام مالك
رضي اللّه عنه يقول: ليس العلم بكثرة الرواية إنما العلم ما نفع و عمل به صاحبه.
و كان الإمام الشافعي رضي اللّه عنه يقول: قال لي الإمام مالك رضي
اللّه عنه يا محمد اجعل عملك دقيقا و علمك ملحا، و قد كان عبد اللّه بن المبارك
رحمه اللّه تعالى يقول: من حمل القرآن ثم مال بقلبه إلى الدنيا فقد اتخذ آيات
اللّه هزوا و لعبا، و إذا عصى حامل القرآن ربه ناداه القرآن من جوفه و اللّه ما
لهذا حملت أين مواعظي و زواجري و كل حرف مني يناديك و يقول لا تعص ربك، و كان
الإمام أحمد بن حنبل رضي اللّه عنه إذا رأى طالب العلم لا يقوم من الليل يكف عن
تعليمه، و قد بات عنده أبو عصمة ليلة من الليالي فوضع له الإمام أحمد ماء للوضوء
ثم جاء قبل الفجر فوجده نائما و الماء بحاله فأيقظه و قال له: لما جئت يا أبا
عصمة، فقال له: جئت