و قد دخل جماعة على عمر بن عبد العزيز رحمه
اللّه تعالى في مرضه يعودونه فرأوه ناحل الجسم جدا، فقالوا له: ما الذي بلغ بك إلى
ما نرى؟ فقال: هموم و أحزان تولدت من خوف الحساب و سوء المنقلب.
و لما مات منصور بن المعتمر رحمه اللّه تعالى قال رجل لأمه: ما فعل
منصور؟ فقالت:
إن منصورا رحمه اللّه تعالى صام فلم يفطر إلا عند ربه عز و جل، و قد
كانت ابنة جاره تراه دائم القيام بالليل على سطح داره فكانت تظن أنه عمود لطول
قيامه فلما مات فقدته، فقالت لأهله: ما صنع ذلك العمود الذي كان فوق سطحكم، فقالوا
لها: قدم على ربه عز و جل، فقالت: كيف؟ قالوا: لم يكن في سطحنا عمودا إنما ذلك
منصور كان يقوم طول الليل.
و قد كان الإمام أحمد بن حنبل رضي اللّه عنه دائما يذكر ذلك و يبكي
حتى تبتل لحيته، و كان داود الطائي رحمه اللّه يواصل العبادة ليلا و نهارا حتى لم
يبق له وقت يأكل فيه و لا يشرب فكان يأكل السويق و الفتيت دون الخبر و يقول: بين
مضغ اللقمة و بلعها قراءة كذا و كذا آية، قال: و دخل عليه رجل يوما يزوره فرأى في
سقف بيته جذعا مكسورا فأخبره بذلك، فقال له: و اللّه يا أخي إن لي في هذا البيت
عشرين سنة ما رفعت رأسي إلى سقفه حياء من اللّه تعالى.
و قد كان الناس يجلسون إلى أحمد بن رزين رحمه اللّه تعالى فما يرونه
يلتفت يمينا و لا شمالا فقالوا له في ذلك، فقال: إن اللّه تعالى إنما خلق العينين
للاعتبار فكل من نظر بغير اعتبار كتبت عليه خطيئة.
و قد كانت امرأة مسروق رحمهما اللّه تعالى تقول: و اللّه ما كان
مسروق يصبح من ليلة من الليالي إلا و ساقاه منتفختان من طول القيام، و كان أجلس
خلفه فأبكي رحمة له، و كان رحمه اللّه إذا طال عليه الليل و تعب صلى جالسا و لا
يترك الصلاة، و كان إذا فرغ من صلاته يزحف كما يزحف البعير من الضعف.
و كان أبو الدرداء رضي اللّه عنه يقول: لو لا ظمأ الهواجر و قيام
الليل ما أحببت البقاء في هذه الدار، و قد صام الأسود بن زيد رحمه اللّه تعالى في
الحر حتى اخضر جسده و صلى حتى سقط فدخل عليه الحسن البصري و مالك بن دينار رحمهما
اللّه فقالا له: إن اللّه لم يأمرك بكل هذا، فقال: إنما أنا عبد مملوك و اللّه لو أني
سجدت على الجمر عمري كله بل منذ خلق اللّه الدنيا إلى قيام الساعة ما أديت شكر
عافية ساعة واحدة و لا شربة ماء.